ناجي شاكر يفتح قلبه و خزانة أسراره عن الليلة الكبيرة

انديانا خالد


توفي امس الفنان التشكيلي ومصمم الدمى المصري ناجي شاكر الذي اشتهر بتصميم شخصيات أوبريت (الليلة الكبيرة) عن 86 عاما.

وصمم ناجي شاكر عرائس الأوبريت الأكثر شهرة في مصر (الليلة الكبيرة) عام 1960 من كلمات صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي وإخراج صلاح السقا.

وفيما يلى حوار نشر بموقع "محيط" الاخبارى، أجرته الزميلة انديانا خالد مع الراحل، قبل وفاة الراحل بعامين، يفتح خلاله خزانة اسراره، ويكشف عن اسرار عالم العرائس.

 فتَّح عينك، تاكل ملبن. فينك فينك، تاكل ملبن. إوعى لجيبك.. لا العيب عيبك. قرب.. جرب.. نشن.. وسطن إيدك وسطن.. اضرب.. البندقية: طاخ"، تلك الكلمات التي أثرت فينا وتركت فينا طابع منذ الصغر وهي أوبريت الليلة الكبيرة، لا يوجد أحد لا يعلم شيء عنها، الكل يسمعها ويشعر بشيء من البهجة، أنها من روائع صلاح جاهين والحان سيد مكاوي، وعرائس ناجي شاكر.

 ناجي شاكر فنان ترك طابعا خاصا عن فن العرائس، له الكثير من الأعمال ، من بينهم مسرحيات، الشاطر حسن .. أتجوز .. بنت السلطان.. في الليلة الكبيرة .. وتزفوا علي حمار شهاب الدين ... بمدينه الأحلام ... ودوقي يا مزيكا ... الولد والعصفور ... كاني وماني .

 تلك الخطوات التي خطيتها لكي أعرف كواليس "الليلة الكبيرة"، ومن هي الشخصية البارعة التي استطاعت أن تصمم مسرحية أثرت فينا حتى هذا الجيل و الأجيال القادمة، حيث حاورناه قرابة الثلاث ساعات، حول أوضاع المسرح وكواليس الليلة الكبيرة، وعن تأثره بأعمال المخرج ومصمم "العرائس"، التشيكوسلوفاكي جيري ترينكا، والذي تابعة في فترة مراهقته حيث يقول "رأيت العرائس طرحًا جديدًا مهمًا، ولغة فنية تنقصنا في مصر نحتاج لممارستها بصورة أعمق من الأراجوز وخيال الضل، رأيتها فن مسرحي يخضع لقواعد وقوانين ولغة المسرح وتوليفته من موسيقى وإضاءة، اختلفت عن فن شارع".

 نبذه من هو ناجي شاكر

الفنان ناجي شاكر من مواليد 1932 بالقاهرة، التحق بمرسم فنون جميله بالأقصر ببعثه، عين معيدا قسم ديكور عام 1959، يعمل كأستاذ غير متفرغ بكليه فنون جميله 2007.

 كان هناك تشجيع من قبل الأسرة على الفن، حيث ألتحق أثناء المرحلة الثانوية بمرسم الفنات الايطالي كارلو مينوتي من عام 1946 حتى عام 1950، فيما بعد تدرب بمدرسة ليوناردوا دافنشي مع الاستاذ دافورنو من 1950 حتى التحق بكليه الفنون جميلة 1952.

 اقتنع ناجي بأن فن العرائس هو فن هام بعد تعرفه علي أعمال فنان العرائس التشيكوسلوفاكي ،وبأنه فن ثري في أدواته ولغته التشكيلية، وقد جذبته شخصية عقله الأصبع من القصص الشعبية مما دعاه إلي اختيار قصته لمشروع التخرج؟، وقام بإعداده في وسط دهشة المحيطين حيث كان أول مرة طالب يتقدم بمشروع عن فن العرائس وحصل على تقدير امتياز.

  بدأت في مرحلة لم يكن فن العرائس وقتها منتشرًا فى مصر، كلمني عن البداية؟

فن العرائس كان مقتصرًا فقط على الفن الشعبي وهو الأرجوز، الذي يلف القاهرة والموالد والمناطق الشعبية وأيضا خيال الظل رغم أن الأراجوز كان أكثر انتشارا منه، وبعد الثورة كان هناك اهتمام بتنشيط المسرح.

 وفي عام 1957، سافر الدكتور على الراعي إلى روما وانبهر بالفرق الرومانية في رومانيه، فاستعان بتلك الفرق لتدريب المصريين على فن المسرح وعرائس الأطفال، واتفق معهم لجلب بعض الخبراء لتكوين أول فرقة للعرائس في مصر.

 وماذا عنك أنت والمسرح؟

 جلب فرق من رومانيه في وقت تخرجي كان دافع لي لتكملة مسيرة المسرح، وشاهدت وقتها فيلما عن رواية «حلم ليلة صيف» لشكسبير وسحرني هذا الفيلم وتنبهت بوجود فن للعرائس غير الأراجوز ، واكتملت لدى حالة العشق هذه وقررت أن يكون مشروع تخرجي عن العرائس بقصة "عقلة الأصبع"، وتقدمت بهذه الفكرة وقالوا لي "أي عرائس هل هي العرائس التي يلعب بها الأطفال" الأمر الذي جعلهم جميعا في دهشة وصفوني بالجنون، وبالفعل صممت المشروع و حصلت على تقدير امتياز.

 وأثناء عرض المسرحية في حفل التخرج، انبهر بها الدكتور على الراعي بمشروعي للعرائس وكان معه أيضا وقتها دكتور فتحي رضوان وأرسلوا لي جوابًا وذهبت إليهم وقالوا لي هل تريد العمل معنا؟ وعلى الفور أحضرت أعمالي والعرائس التي قمت بتنفيذها لعرضها على الخبراء بعدها بيوم واحد، ولم أصدق تحقق حلمي بعد تخرجي بخمسة شهور فقط.. وبدأنا بعدها الإعداد لأول عرض مسرحي وكان بعنوان «الشاطر حسن» في مارس 59.

  هل وصل الفن المسرحي في مصر كأوروبا ؟

 مصر لم تتقدم فمازالت كما بدأت، لا تطوير أو بناء مسارح جديدة، فبدأ المسرح العرائس الشعبي في مصر بدائي بينما مسارح العرائس في أوروبا في تلك الفترة كانت فنًا مسرحيًا أساسيًا ووسيلة التعبير فيه  العروسة وتخضع لكل قواعد الفن المسرحي.

 ماذا عن أوبريت الليلة الكبيرة وفكرته؟

 أول مسرحية قدمناها كانت «الشاطر حسن» وبعدها «بنت السلطان» مع الفرقة الثانية التى كونها الخبراء وقبل سفرهم أخبرونا بضرورة الإعداد لعرض مميز نقدمه فى مهرجان بوخارست حيث كان يقام كل خمس سنوات ففكرنا فى ضرورة تقديم تحدٍ وعرض مبهر. وقتها كنت أستمع لليلة الكبيرة لصلاح جاهين وسيد مكاوى على الراديو وكانت عبارة عن صورة غنائية مدتها عشر دقائق وكنت أحبها جدا ومبهورًا بها.. ففكرت لماذا لا نقدمها على المسرح بالعرائس وكلمت صلاح جاهين وعرضت عليه الفكرة وقال لى «إزاى هتعمل مولد بالعرائس على المسرح الصغير ده» قلت له لدى تصور معين ولكن أريد أن نزيد من مدتها من عشر دقائق إلى نصف ساعة لتكتمل صورة المولد ويحمل الروح الفلكلورية، وبدأنا نفكر وننزل موالد لنشاهد ونتأمل لننقل الصورة الكاملة وكان وقتاً قصيراً جدا وانتهينا منها ووضعناها فى صناديق وأرسلناها، وعرضت فى المهرجان ونجحت نجاحًا كبيرًا جدا وحصلنا على جائزة تصميم عرائس وعدنا إلى مصر وكسرت الدنيا.

 هل كنت تتوقع هذا النجاح ؟

لا لم نكن ننتظر هذا الصدى والإقبال الجماهيري فهناك متفرجون جاءوا أكثر من مرة لمشاهدتها خاصة أن الفن كان جديدًا وليس معروفًا الآن صالة المسرح كان كومبليت كل يوم بالإضافة إلى أننا اعتقدنا أن الأطفال فقط هم من سيتعلقون بالليلة الكبيرة ولكن كان الجمهور من كل الأعمار، وهذا لم نكن نتخيله.

 ما هو سر روح "الليلة الكبيرة" واستمرار جاذبيتها حتى يومنا هذا؟

أعتقد أن جزءًا كبيرًا من هذا النجاح يرجع لعبقرية صلاح جاهين وسيد مكاوى، فأنا جذبتنى هذه الحالة منذ أن سمعتها فى الراديو ومن قبل أن تترجم إلى صورة. وشعرت أننا إذا ترجمناها وحولناها إلى صورة ستدخل إلى وجدان الناس بشكل أكبر وستترك تأثيرًا.

 هل لليلة الكبيرة رسالة سياسية؟

 فيها سياسة ولكن غير مباشرة، أي عمل فيها سياسة، والسياسة أنواع حياتنا كلها سياسة، فالعبقري صلاح جاهين عمل فن ربط المصري بتراثه وموطنة والفلكلور الشعبي الأصيل، فأنا أعتبر ذلك سياسة ربط الوجدان بالوطن.

  لماذا تسحر العرائس الكبار قبل الأطفال؟

 أنا مازلت أبحث عن إجابة هذا السؤال، فلا أعلم السبب العروسة والأرجوزة لهم سحر لا يتحده أحد، فهما يدخلان القلب على طول، والدليل على ذلك عندما عرضت مسرحية "الليلة الكبيرة " في أوربا، كان الجمهور لا يفهم ما تقوله العروسة ولكن شكلها ابهرهم وجعلهم، يصفقون عند العرض، ويشعرون بشيء من السعادة.

 كواليس فيلم شفيق ومتولي واعتراض سعاد حسنى على تصميماتك

  أبرز ملامح الفيلم كان مليء بكثير من التطورات حيث أخرجه ثلاث مخرجين إلى أن خرج في النور عام 1978 ، سيد عيسي يوسف شاهين لينجزه في النهاية على بدرخان، في هذا العمل كان ناجى بطل الإشراف الفني والديكور والملابس وحصل عنها على جائزة المهرجان القومي للسينما.

 وافقت على الفيلم رغم عدم رغبتي بالعمل في السينما التجارية، أملا في الوصول إلى السينما، لبيت  دعوه صلاح جاهين وبدأت في تصميم ملابس وديكور الفيلم، وكانت التصميمات صادمة لبطله الفيلم سعاد حسنى، فتخيلتها شابة فقيرة لكن متمردة وقوية جدًا، وذهبت بتصميم ملابسها ومظهرها لسعاد، فتفاجئت بالجلابية الفلاحي واعترضت قائلة "أزاي تلبسني الجلابية الواسعة دي، دي عايزة 4 سعاد حسني يلبسوها. وكمان شعري هيبقى منكوش" فكان ردي عليها "أنا عايزك شفيقة، مش السندريلا".

  تعرضت لمضايقات من قبل المستشار الثقافي بالقنصلية المصرية في إيطاليا .. فلماذا ؟

لا أعلم، ولكن عندما قام وزير الثقافة بتحويل مسرح العرائس إلى مسرح أطفال وأنحرف عن طريقة، قررت حينها السفر إلى إيطاليا لتنفيذ ما كنت أحلم به وأتعلم السينما، كانت الكلية قد حددت السينما مجالا للدراسة، وكان من المفترض أن يلتحق بالمركز السينمائي في روما، ولكن وجهة نظر المستشار الثقافي في ذلك الحين كانت مخالفة لرأي الكلية، وأصر على تسجيلي بكلية الفنون الجميلة بروما قسم المسرح للحصول على أعلى مؤهل، وكان من الضروري موافقة المستشار الثقافي المصري على قبوله طلبا نظاميا في مركز السينما، لذلك قمت بمواصلة الدراسة بالمركز كزائر، وليس طالب.

ما هو السر وراء تكريم فيلم "صيف 70" بعد ثمانية وثلاثين سنة؟

ظروف عمل فيلم صيف 70"، كانت في فترة تعنت المستشار الثقافي لقنصلية المصرية في روما من عدم التحاقي بمركز السينما، فكان هناك طلبة النظاميون الذين يقومون بأخراجد فيلم طويل بعد أتمام دراستهم، فإردت من هنا أن أقوم بمشاركتهم لكن أحقق حلمي في السينما، ومن هنا قمت بإحضار كأميرتي الخاصة وصورنا الفيلم فكان من رؤيتي و سيناريو وإخراجي، وبطولة جلوريا ميرلينو.

أشادت لجنة التحكيم مهرجان سان مارينو الدولي لأفلا البحث و التجريب بالفيلم، كما تم اختياره ضمن مقتنيات قسم الأفلام التجريبية بمتحف الفن الحديث "moma" ، بنيورك 2010.

 هل حصلت على جوائز من مصر ؟

 لم أحصل على تكريم من مصر، ولكن اعتبر أكبر تكريم لي ، هو موافقة وزير الثقافة على الطلب الذي تقدمنا به أنا وصلاح جاهين بأنشاء مسرح عرائس، لاحتواء هذا الفن، حيث لاقت الليلة الكبيرة نجاحا كبيرا في أول عرض لها في المهرجان الدولي للعرائس 1960 وحصلت على الجائزة الثانية في تصميم العرائس والديكور بين 27 دولة مشتركة في المهرجان.

هل ترى أن فن العرائس فن ناقد ؟

 فن العرائس فن ناقد ، ولكن نحن لم نصل لهذا الدرجة ، حيث قمنا بعمل مسرحية في الستينات سياسية ولم نتعرض إلى أي تضيق من قبل الحكومة آنذاك.

هل ترى أن هناك مشاكل أخرى يعانى منها مسرح العرائس الآن ؟

 الإهمال الإداري هو الأساس وهو سبب المشاكل، فالإدارة من داخل المسرح ليست كافية، فكل من يعمل به موظف وليس فنان، فتجد من يحرك العرائس يحركها بعشوائية وغالبا قد يكون يشرب شاي ويتحدث مع زميله.

 بالإضافة إلى الانتهاك الفظيع المرتكب في حق المنشأة نفسها، حيث يوجد حولها الكثير من البائعين الذين يلتفون حول المسرح ويشغلون الساحة، فيجب على الدولة الاهتمام بالمسارح أكثر من ذلك.

 في الفترة الأخيرة لا توجد أسر تهتم مثل السابق بالذهاب إلى المسرح.. فإلى ماذا يرجع السبب من وجهة نظرك؟

 السبب يرجع في ذلك إلى أن أصبح هناك إهمال من قبل المدرسة في عمل إسكتشات ومسرحيات، فأن حدث ذلك فأن هناك موهبة الفن والإبداع تتربي داخل الطفل، كما يجب على الآباء والأمهات الحرص على ذهاب أبنائهم إلى المسارح كي يتعلوا فنون جديدة، ونرتقي بالطفل، وهذا الأمر سوف يرجع المسرح بعد عشرين عاما من الآن إذا تحقق.