قياس الأداء الاقتصادى والتقدم الاجتماعى


شريف دلاور

لايعطى القياس المبنى على المتوسطات صورة حقيقية للأداء، فإذا افترضنا مثلاً دولة تتكون من فردين الاول دخله مليون جنيه، والثانى معدم تماماً فإن متوسط دخل الفرد فى هذه الدولة سيكون نصف مليون جنيه! ونفس الشئ ينطبق على نسبة النمو فى الناتج الاجمالى كمقياس للنجاح الاقتصادى، ففى الثمانينيات من القرن الماضى على سبيل المثال كان مؤشر النمو فى اليابان سيئاً للغاية، بينما على النقيض انخفضت البطالة فى نفس الفترة واستقرت الاسعار وتدنت مستويات الجريمة واعتبرت الصحة والتعليم وجودة الطعام من الافضل فى العالم! وكما يصعب قياس فى معدلات النمو الأنشطة غير الرسمية والتطوعية والقيمة المضافة للخدمات المجانية التى تقدمها الحكومة فى الصحة والتعليم.... الخ مما يعطى صورة منقوصة لحجم الاقتصاد الحقيقى ، 

ولقد قام باحثان عام 2012 بقياس الآنشطة المنزلية غير المدفوعة الأجر فى الولايات المتحدة، ووجدا أنها تضيف قرابة 3.8 تريليون دولار الى حجم الاقتصاد الامريكى بزيادة 26%، وفى عام 2000 توصل المكتب الوطنى للاحصاء فى بريطانيا وبحسابات معقدة الى تقدير العمل المنزلى غير المدفوع الأجر ب 877 مليار جنيه استرلينى أى 40% من النشاط الاقتصاد الكلى! وعندما ادخلت ايطاليا فى حساباتها القومية القطاع غير الرسمى ارتفع حجم اقتصادها دفعة واحدة ب 18%، والولايات المتحدة تدخل بيع السلاح للجمهور فى حسابات النمو على عكس اوروبا، وكولومبيا تحسب تجارة المخدرات كجزء من النشاط الاقتصادى. 

وفى كل دول العالم يتضمن الناتج الاجمالى أنشطة ضارة مثل صناعة وبيع التبغ والسجائر تسهم فى الحصيلة الضريبية، بينما آثارها غير المباشرة على الصحة العامة وميزانية الدولة والافراد سلبية الى حد كبير، فمعدل النمو فى الناتج الاجمالى لايفرق بين ما هو حميد أو خبيث فى الاقتصاد! ويزيد من إشكالية قياس النمو بروز الاقتصاد الرقمى، فالاقتصاد الرقمى واستخداماته التكنولوجية يقلل من تكلفة التعاملات والتنقل ...الخ، مما يؤدى الى هبوط نسبة نمو الناتج بينما يتحسن الاداء الاقتصادى حيث يعتمد الاقتصاد الرقمى على المكون المعرفى غير الملموس أكثر من المكون المادى الملموس الذى يدخل فى الحسابات القومية للناتج! وليس القصد من ذلك إغفال المتوسطات أو مؤشر النمو فى الناتج الاجمالى، 

ولكن تلك الامثلة توضح مدى القصور فى الاعتماد على مؤشرات بعينها لقياس اداء ادارة الاقتصاد والتنمية وضرورة التوسع فى القياسات، فحساب »الثروة القومية« له أهمية قصوى لأنه يساعد على اتخاذ قرارات أفضل لاستدامة التنمية فى المستقبل، فنيجيريا مثلاً- حققت نمواً اقتصادياً مرتفعاً بينما تراجعت ثروتها القومية ، ولقد قام البنك الدولى أخيرا باجراء قياسات للثروة القومية فى 150 دولة أعطى فيها أهمية خاصة للرأس المال البشرى وجودة اداء المؤسسات، وكما ظهرت مؤشرات أخرى مثل » الناتج الاجمالى للسعادة » ويشمل قياسات للصحة والتعليم والثقافة والحوكمة ومستويات المعيشة ، 

امّا مؤشر التقدم الحقيقى أو الصادق ويطلق عليه GDP2.0 أى الناتج 2، فيتكون من 26مؤشرا على ثلاثة محاور اقتصادية واجتماعية وبيئية، والمؤشر الكندى للرفاهة يتضمن قياسات فى مجالات التعليم والصحة والبيئة والبرامج الاجتماعية والضرائب والأمن والتشغيل والحد الادنى للمعيشة والمشاركة المجتمعية، ووضع الباحث الصينى «نيو Niu» مؤشراً جديداً للناتج الاجمالى يّعبر عما ما سماه «النمو الحقيقى» وذلك بطرح الانشطة الضارة بالبيئة من الناتج الاجمالى وتوصل أن 1/3 الاقتصاد الصينى غير حقيقى من هذا المنظور، وهناك بالطبع المؤشر القديم للتنمية البشرية الذى صمّمه الباكستانى محجوب الحق واعتمده البرنامج الانمائى للامم المتحدة فى تقاريره السنوية منذ عام 1990.

الهدف إذن هو التوسع فى استخدام المؤشرات المختلفة والمعّبرة عن مجمل الاداء الاقتصادى والتقدم الاجتماعى ، وقيام وزارة التخطيط بتصميم لوحة القيادة الاقتصادية والاجتماعية متضمنة بانوراما من القياسات توضع تحت أعين المسئولين ومتخذى القرار على أن تشمل بصفة خاصة (1) الناتج الاجمالى للفرد (2) الدخل الوسطى وليس المتوسط (3) العدالة الاجتماعية ومؤشر جينى (4) الناتج الصافى المحلى NDP بعد طرح استهلاك الاصول القومية (5) الرفاهة كما أسلفنا (6) الانبعاثات الكربونية.

نقلا عن الاهرام