وتمنيت لو كنت شحاتة!


أنديانا خالد
 
كنت على موعد اليوم مع أول يوم من ايامى في مهنة "الشحاتة" ، لكني لم استطع الاستقياظ مبكرا، فضاع الموعد، وخسرت أول 300 جنيه يومي كانت ستجد مقرها الأمن فى حقيبتى .

عندما جلست أنا وصديقتي على أحد الكافيهات بمنطقة 6 أكتوبر، نتشاور بشأن المرتب "العزيز" الذي تأخر كثيرا عن المعتاد، لنفاجأ  بطفل صغير فى عمر ال 10 سنوات تقريبا ، يدعي "مصطفي" يرتدي ملابس "شيك جدا" ، ويمسك في يده كيس شيبسي وعصير وكيس قماش به نقود فضية كثيرة، وبعض النقود الورقية مطبقا عليهم يده الصغيرة ، محاولا الا نراها.. ويطالبنا بجنيه، نظرنا له باستغراب، ووجهنا له سؤال " ليه يا حبيبي انت شكلك كويس ، عايز جنيه ليه؟" .

فرد علينا بكل تلقائية وعفوية طفل صغير: "أنا بشحت".

صدمتنا العبارة ودفعنا الفضول الصحفى الى " جرجرة" الولد فى الكلام ، حتى نعرف قصته كاملة. 

يروي لنا: "أسرتي كلها تعمل في المهنة.. نبدأ اليوم ببيع النعناع.. وعندما ننتهي من بيع النعناع نبدأ في الشحاته آخر النهار..  أنا متعلم وفي رابعة ابتدائي.. ألف كل يوم على المقاهي والكافيهات علشان ألم جنيه من كل شخص... وأحيانا بأخذ أكثر من جنيه .. وبقفل في اليوم ولله الحمد من 300 إلى 400 جنيه.. بابا وماما وجدي شغالين في الشحاته وبيع النعناع في الميدان".
حملقت عيناى انا وصديقيى العزيزة فى صدمة رهيبة كادت تودى بحياتنا: "أنت بتكسب بقى من المهنة دي ؟

رد مصطفى: أمال انا بقولك ايه 300 جنيه يوماتى فضل وعدل ".

أنا: طب انت عايش فين؟ي

مصطفى: أعيش في 6 أكتوبر

أنا: طب ماتخدنا يا مصطفي تعلمنا الشحاتة

مصطفي: تعالو اعلمكو .. بس صحبتك لازم تلبس طرحة علشان تشتغل معايا ، ما ينفعش تشحت بشعرها.

أنا: طب ينفع تعلمنى أنا يا مصطفي.

مصطفى: تعالي بكره الصبح ونبدأ الشغل مع بعض.

انتهى حواري مع مصطفى، وأنا أفكر لماذا لا تقوم الدولة بتبني هؤلاء الأطفال، لإعادة تأهيلهم في المجتمع بمهن تنفع المجتمع، بعد أن أصبحت مهنة الشحاته فخرا للعاملين بها إلى هذا الحد.

لماذا لا نقلد الهند عندما أطلقت حملة "مدينة خالية من المتسولين"، حيث بدأت فى تأهيل 300 شخص من أصل 9 آلاف شخص تم القبض عليهم في الشوارع، متعهدة بحمايتهم، وتأهيلهم كجزء من حملة المدينة الخالية من المتسولين.

لماذا لا نبدأ في إعادة تأهيل الشحاتين ودمجهم في المجتمع، ونرفع شعار "القاهرة بدون متسولين"، وذلك بدلا من القبض عليهم ورميهم في السجون وتحويلهم إلى مجرمين ولصوص.

طبقا لأخر إحصائية أصدرها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، فالقاهرة تحتل المركز الأول في أعداد المتسولين بـأعداد تتراوح بين 4000 و5000 متسول، تليها الإسكندرية حيث تستوعب الآن 1600 متسولاً تقريبًا، كما أكدت الدراسة أن 3٫41٪ من المتسولين يتم إجبارهم على ممارسة التسول بغير إرادتهم، كذلك فإن 75٪ من المتسولين يحملون صفة متسولي المواسم مثل رمضان والأعياد، وهم المتسولون الذين ينزلون إلى العمل في المواسم والأعياد والمناسبات الرسمية اعتقادًا منهم أن هناك زيادة فى الرزق فى تلك الأوقات من العام.

والدراسة قدرت العدد الإجمالي للمتسولين في مصر بنحو 11000 تقريبًا، ونسبة الأطفال المتسولين تبلغ 7500 طفل متسول وهم أكبر الفئات، يليهم المسنون والذين تقل أعدادهم مقارنة بالأطفال بنسبة محدودة، وهؤلاء الأطفال هم قوة العمل الأصلية، فيحصدون حسب الدراسة مبالغ يومية تتراوح ما بين 600 - 620 ألفًا من الجنيهات، ومصادر الحصول على هذه العمالة الصغيرة معروفة فإما الإيجار من ذويهم أو خطفهم من مختلف أنحاء البلاد.

دعوة جادة للانقاذ