تجربة السكر هل تنهي مرارة الاستيراد؟


نقلا عن نشرة "دلتا" الاقتصادية 

لا تمثل واردات أية دولة من الغذاء مشكلة اقتصادية وحسب، بل تمثل عبئا سياسيا أيضا، وقد اختبرت دول العالم الثالث تلك الأزمة في عام ٢٠٠٨ عندما ارتفعت تكلفة وارداتها من الغذاء نتيجة اتجاه الدول المتقدمة إلى إنتاج الوقود الحيوي من محاصيل غذائية في مقدمتها الحبوب العماد الرئيسي لغذاء معظم شعوب العالم الفقير، بل إن بعض التحليلات ربطت بين تلك الأزمة وبين إندلاع ثورات واضطرابات اقتصادية واجتماعية في عدد من المناطق، من بينها المنطقة العربية.
ومثلت التجربة المصرية في زيادة الإنتاج المحلي من السكر، وخفض فاتورة الاستيراد تجربة تستحق الإشادة، فقد صرح الدكتور عزالدين أبوستيت وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، بأن إنتاجية محاصيل السكر بلغت هذا الموسم نحو مليونين و483 ألف طن، بزيادة قدرها نحو 320.5 ألف طن عن العام السابق، لافتا إلى أن ذلك يعد رقما قياسيا تحققه مصر لأول مرة، مقارنة بـ2.16 مليون طن في العام السابق.
وأرجعت شركة أسواق للمعلومات المالية والسلعية، فى تقريرها الدورى، أسباب زيادة الإنتاج، إلى الاهتمام بزارعة بنجر السكر مما أدى إلى زراعة نحو 584.6 ألف فدان بزيادة حوالى 105 آلاف فدان، وذلك بعد نجاح تجربة غرب المنيا فى زراعة البنجر كأول موسم لها بنسب سكر عالية وانخفاض بنسب الشوائب، كما تمت زراعة حوالى 248 ألف فدان من قصب السكر بزيادة قدرها 5.5 ألف فدان. 
وقد انعكست تلك الأرقام الإيجابية في مجال الإنتاج على الحد من قيمة الاستيراد، إذ تراجعت واردات السكر خلال النصف الأول من العام الحالى، فتم استيراد نحو 110.5 ألف طن بفارق 31.1 ألف طن بنسبة تراجع بلغت 22% لنفس الفترة العام الماضى، وبتراجع نحو 10% عن متوسط الأعوام الأربعة الماضية، وهو ما أسهم بتحسن طفيف في التكلفة الإجمالية لواردات مصر من المحاصيل الغذائية، فبحسب أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجعت فاتورة واردات مصر من السلع الغذائية الأساسية إلى حدود 5.4 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2019، مقابل 5.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2018، وتمثلت أهم السلع التي سجلت وارداتها تراجعا، الذرة الصفراء حيث انخفضت قيمة الواردات منها النصف من 787 مليون دولار إلى 381 مليون دولار، كما تراجعت واردات السكر من 114.4 مليون دولار إلى 84.7 مليون دولار، والزيت من 311 ملايين دولار إلى 276 مليون دولار خلال الفترة ذاتها.
ولم تقتصر التجربة المصرية على زيادة الإنتاج الخام من المحاصيل السكرية، بل اتجهت إلى توفير فرص واعدة للتصنيع، حيث وقعت الحكومة قبل فترة اتفاقا بين الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية وشركة القناة للسكر التابعة لمجموعة الغرير الإماراتية، يقضي بإقامة مشروع استثمارى متكامل يتضمن استصلاح وزراعة الأراضى بمحصول بنجر السكر، ومحاصيل أخرى، وإقامة مصنع لإنتاج السكر من البنجر بمنطقة غرب المنيا.
وطبقا لدراسات الجدوى لذلك المشروع فإن الشريك الأجنبي ضخ نحو 100 مليون دولار بعد توقيع العقود، ومن المنتظر أن يصل إجمالي مساهمات الشركاء غير المصريين في الشركة إلى نحو 210 ملايين دولار سيتم ضخها في رأسمال الشركة خلال المراحل الأولية لتنفيذ المشروع، المتوقع أن يدخل مرحلة الإنتاج الفعلي العام المقبل.
ويهدف المشروع إلى استصلاح واستزراع 181 ألف فدان، وإقامة مصنع لإنتاج السكر بإجمالى استثمارات تقدر بحوالى مليار دولار، ليكون بذلك أكبر مصنع في العالم لإنتاج السكر من البنجر بطاقة إنتاجية قدرها 90 ألف طن/سنة، ومن المنتظر أن يساهم المشروع فى سد العجز بنسبة 75% من استيراد مصر للسكر.
كما تستعد الحكومة أيضا لتطوير منظومة التصنيع المملوكة لها، فبحسب ما أعلنه وزير التموين الدكتور على المصيلحي، فإن هناك خطة لتطوير مصانع السكر، سواء التي تنتج سكر البنجر، أو سكر القصب، وهو ما سيسهم في سد العجز ووقف استيراد مصر للسكر خلال 3 سنوات، بإنتاج ما يقرب من مليون طن سنويا، إضافة إلى تلبية احتياجات السوق المحلية وخفض الاعتماد على الاستيراد.
تجربة “السكر” تبدو بالفعل مؤشرا إيجابيا على إمكانية تحقيق إنجاز ملموس في ملف استراتيجي، وهي تجربة لو أمكن تكرارها في بقية المحاصيل الزراعية، فإن السكر سيكون بداية حقيقية لتخفيف “مرارة” الاستيراد، التي تكبد الدولة تكلفة مالية وسياسية باهظة.