من هى نفرتيتى؟ وما هي حقيقة الادعاءات أنها لم تكن مصرية؟


الملكة نفرتيتى هى واحدة من أجمل نساء العالم القديم إن لم تكن أجملهن، هى الزوجة الرئيسية للملك المهرطق الثائر “إخناتون” وشريكة حياته وعقيدته فى مدينة”تل العمارنة”.
 
تبدأ قصة “إخناتون” و”نفرتيتى” مع وفاة الأمير “تحتمس” الذى كان ولي العهد للملك “أمنحتب الثالث” الإمبراطور المصرى الذى وصلت مصر فى عصره إلى أقصى إتساع للإمبراطورية المصرية، كما كان عصره ذهبيا فى مناحى الإقتصاد والرخاء المجتمعى.
 
مع وفاة الأمير “تحتمس” يتم إستدعاء الأمير “أمنحتب” أخوه الأصغر ليتم تجهيزه ليكون إمبراطور مصر القادم، وبالفعل تسير الأمور بشكل جيد حتى وفاة العاهل الأكبر “أمنحتب الثالث” ويتم تتويج الأمير “أمنحتب” كإمبراطور خلفاً لأبيه، تطلق كتب التاريخ على هذا الأمير الذى أصبح ملكا “أمنحتب الرابع”.
 
الأمير “أمنحتب” يتولى عرش مصر
مع توليه عرش البلاد كان “امنحتب الرابع” إمبراطوراً تقليدياً ومع بدايات عصره ظهرت زوجته الجميلة المثيرة للجدل “نفرتيتى” على الساحة، ومع سنوات حكمه الأولى أظهر “أمنحتب” إهتماماً بإله مصرى قديم وهو قرص الشمس المجرد “آتن” أو “إتن”، وهو إله مصرى قديم معروف قبل جلوس “أمنحتب” على عرش مصر بحوالى ألف عام.
 
ومع تزايد إهتمامه بهذا الإله، قام بتشييد معبداً له بداخل مجمع معابد الكرنك، أهم منطقة دينية فى مصر وقتها.
 
كيف تحول “أمنحتب” إلى “إخناتون”؟
بحلول العام الرابع من حكم “أمنحتب” قام بإظهار نواياه بشكل واضح عندما غير عاصمة مصر من مدينة ” الأقصر \واست قديماً” لتحل محلها عاصمة جديدة وهى “آخت إتن \ تل العمارنة حاليا”، لتكون تلك العاصمة هى مكان ميلاد “إتن” قرص الشمس، ولتكون مهد لعقيدة جديدة يكون فيها “إتن” هو الإله الأعلى لمصر كلها.
 
أعلن “أمنحتب” تغيير إسمه إلى “أخ إن إتن” ( إخناتون) ومعناه “النافع لآتون”، وقام بمعاداة أعلى سلطة دينينة فى البلاد وقتها، وهى كهنوت معبد “آمون” ذلك الإله الإمبراطورى العتيد الذى دان له ملوك تحرير مصر من الهكسوس بالفضل.
 
بل أنه لمن يكتفى بذلك فقام بمحو إسم “آمون” من على الكثير من الجداريات، ووصل به الحال إلى محو إسم “آمون” من إسم ابيه هو شخصياً, فكما ذكرنا فإن أبيه كان يدعى “أمنحتب” وهو إسم يعنى آمون راض.
 
بمرور الوقت إتخذ “إخناتون” قرارات أكثر جرأة، حيث قام بإغلاق الكثير من معابد الآلهة المصرية، مصادرة أموالها، وتسريح كهنتها، مع التركيز على الشق الذى يكون فيه هو كاهناً أعلى وممثلا للإله “إتن” على الأرض، مما جعله العدو الأول لشعب مصر وقتها.
 
من هى نفرتيتى؟
إسم “نفرتيتى” فى اللغة المصرية القديمة يعنى : “الجميلة أتت” وهو المقابل للتعبير العامى “الحلوة شرفت”، وعلى الرغم من ان أصول “نفرتيتى” غير معروفة تحديدا إلا أنه كان هناك بعض الآراء بهذا الصدد.
 
تمحورت جميع الآراء المعتبرة بناء على أدلة أثرية على مصرية “نفرتيتى”، وينسبها العديد من العلماء لمدينة “أخميم” العريقة فى “سوهاج”، حيث أن “أخميم” كانت هى المدينة الفاعلة بشكل كبير فى عصر الملك “أمنحتب الثالث”.
 
“اخميم” كانت منها الملكة “تى” زوجة “امنحتب الثالث” وأم “إخناتون”، وكانت “تى” منشدة فى المعبد أعجب بها “امنحتب الثالث” وتزوجها، ولم يكتف بذلك بل جعلها” الزوجة الملكية العظيمة”، أى أنها ستكون أم ولى العهد وإمبراطور مصر القادم.
 
من “أخميم” تظهر شخصيات بالغة القوى والتأثير فى تلك الفترة ومنها القائد العسكرى “يويا” وزوجته المنشدة “تيويى” والدى الملكة “تى” , كذلك يظهر النبى الثانى للإله آمون ( طبقا لنظام الكهنوت والنبوة فى الكرنك) وهو “عانن” شقيق الملكة “تى” وإبن “يويا”، ولكن أكثر الشخصيات التى أثارت الجدل فى تلك الفترة كان قائداً عسكريا وموظفاً مرموقاً يدعى “آى” حيث يعتقثد الكثير من العلماء أن “آى” هذا هو والد “نفرتيتى”!.
 
“آى” هو والد “نفرتيتى” ؟!
يستند العلماء فى بنوة “نفرتيتى” إلى “آى” إلى عدة دلائل ومنها علاقته المباشرة بأسرة الملك “امنحتب الثالث”، كذلك اللقب الفريد الذى أخذه “آى” وهو “أبو الإله” وهو لقب كان يشير فى تلك الفترة إلى حمو الملك نفسه.
 
يقوى تلك النظرية الأخت المحتملة ل “نفرتيتى” وهى ” موت نچمت” أو “موت بنرت” التى لربما هى نفس الشخصية التى أصبحت زوجة الملك “حور محب”.
 
أخيرا فإن زوجة “آى” نفسه والتى تدعى “تى” ( وهى “تى” أخرى بخلاف الملكى “تى”) قد حملت لقب ” المرضعة الملكية” ل”نفرتيتى” وهو ما كان معضلة أمام العلماء الذين رجحوا أن والدة “نفرتيتى” قد توفت وهى صغيرة، وتولت من بعدها “تى” زوجة “آى” رعايتها. كما أن آى نفسه يرجح الكثير من العلماء إلى أنه كان أخو الملكة “تى” لانه كان خليفة “يويا” والدها فى المنصب والألقاب.
 
بناء على ما سبق يمكننا أن نربط بين “نفرتيتى” ومدينة “أخميم” وكذلك بين “نفرتيتى” وبين “آى” شخصياً، والذى مع نهاية فترة العمارنة ( وهى فترة حكم الملك “إخناتون حتى “توت عنخ آمون”) تولى هو حكم مصر.
 
وهناك آراء أخرى قد ربطت بين “نفرتيتى” وبين “عانن” ، شقيق الملكة “تى” وإعتبرته إبنته.
 
لماذا يثير البعض الجدل حول عدم مصرية “نفرتيتى”؟
كانت فترة حكم الملك “أمنحتب الثالث” كما ذكرنا فترة رخاء إقتصادى ووإنفتاح تام من مصر على العالم الخارجى، وبالتالى ظهر لها الكثير من الحلفاء فى مستعمراتها فى آسيا.
 
كان من أهم حلفاء مصر وقتها مملكة “ميتانى” التى تولى عرشها الملك “توشراتا” والذى قام بتزويج أخته “جيلوخيبا” ل”أمنحتب الثالث” وبعد مرور عشرون عاما فى نهاية عصر الملك “امنحتب الثالث” وبدايات عصر “إخناتون”، أرسل “توشراتا” الأميرة “تادوحيبا” إبنته إلى أرض مصر كعروس ثان للملك “أمنحتب الثالث” ليتزوجها هى الأخرى.
 
على الرغم من التجهيزات لتلك الزيجة، إلا أن الأقدار شائت أن يتوفى “امنجتب الثالث” ويتزوج “إخناتون” من الأميرة الميتانية، وقد ذكر أرشيف الرسائل المعروف بإسم “رسائل العمارنة” ( وهى مجموعة رسائل مكتوبة باللغة الأكدية البابلية بين مصر ورعاياها وحلفائها فى آسيا) تفاصيل تلك الزيجة والمفاوضات بين الملكين.
 
بسبب هذه الزيجة قام الكثيرون بالربط بين “تادوحيبا” وبين “نفرتيتى” وحتى بين زوجة أخرى ل “إخناتون” وهى “كيا”، والتى كانت زوجة ثانوية لإخناتون.
 
هل “تادوحيبا” هى “نفرتيتى”؟
بناء على ما تناولناه فى هذا المقال فإن “تادوحيبا” وصلت إلى مصر عروس جاهزة للزواج، وهو ما يتنافى مع لقب زوجى “آى” المدعوة “تى” والذى كان “مرضعة نفرتيتى”، أى أن طفولة “نفرتيتى” كانت بمصر وبالتالى يجعل الربط بين “نفرتيتى” وأميرة ميتانى غاية فى الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.
 
أما عن الربط بين “كيا” الزوجة الثانوية لإخناتون وبين أميرة ميتانى فهو الآخر لا يوجد عليه حتى الآن دليل واحد، خاصة مع إختفاء “كيا” من سجلات فترة العمارنة مع حلول العام 11 من حكم “إخناتون” نفسه، ويمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك ونؤكد أن “كيا” نفسها كانت مصرية لطالما لا يوجد دليل واحد يقول بعكس ذلك.
 
هذه الآراء كلها تبناها علماء لهم وزنهم فى الوسط العلمى لعلم المصريات، ولكن بمرور الزمن ومع الكشف عن ادلة أثرية جديدة كانت عملية البحث تتطور يوماً بعد يوم لتنفى نظريات قديمة وتضع مكانها نظريات أحدث تعتمد على ادلة مادية ومباشرة نتسطيع أن نستشف منها وقائع صحيحة لتلك الفترة.
 
“نفرتيتى” التى يريد العالم إختطافها
 
يبدو أن وجود القطعة الأثرية الأشهر وهى رأس الملكة “نفرتيتى” فى المتحف الجديد بمدينة “برلين” ليس كافياً، فيخرج علينا وبناء على الفرضيات السابقة التى تم إثبات خطأها، او حتى بلا دليل من يدعى أن “نفرتيتى” لا تنتمى لشعب مصر، نذكر منهم كثير من الأشقاء السوريين بل وحتى بعض الأكراد يدعون أنها كانت منهم!!
 
على الرغم من خطأ تلك الإدعاءات – كما أوضحنا سابقاً – فإن خطورتها تكمن فى عدم وجود رد فعل واضح منتشر على نطاق واسع حتى داخل المجتمع المصرى لتلك الإدعائات، وبالتالى نجد أن بعض المصريين أصبحوا يتبنوا هذه الآراء وكأنها آرائهم الشخصية بل ويدافعون عنها أيضا، لتتحول من مجرد إدعاءات إلى صوت مصرى بداخل أرض مصر!!
 
ينطبق هذا المبدأ على المئات من الإدعاءات والخرافات التى لا يكفى هذا المقال لسردها تحاول إختطاف شخصيات مؤثرة فى تاريخ مصر وتنسبها إلى أمم أخرى، وعلى هذا المنوال وبمرور الوقت لن يتبق لمصر شيئاً من تاريخها لتنسبه لها!
 
أختم هذا المقال بمقولة للراحل الجليل أ.د. عبد الحليم نور الدين الأب الروحى للآثاريين المصريين فى العصر الحديث : (نفرتيتى مصرية، ولا تقدموا حضارتنا هدية لإسرائيل)، وأضيف على كلماته (لا تقدموا حضارتنا هدية لإسرائيل أو لأى دولة، حضارة مصر مصرية خالصة).