قطار مصر تستطيع بالصناعة ينطلق.. ومشاركة البارونة نعمت شفيق تتوج أولى محطاته

إسلام حامد


بالتعاون بين وزارتي الهجرة والتجارة والصناعة، تم إطلاق إشارة البدء في تنفيذ المرحلة الأولى من فعاليات مؤتمر "مصر تستطيع بالصناعة"، وذلك بعقد أول ندوة حوارية افتراضية عبر تطبيق "زووم" لمناقشة دعم توطين الصناعة في مصر وحث المُصنّعين المصريين حول العالم على الاستثمار الصناعي داخل وطنهم الأم.
 
وعقدت الندوة بحضور السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، وبمشاركة الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والدكتور أحمد مغاوري نائب وزيرة التجارة والصناعة، وخبيرة الاقتصاد المصرية الكبيرة البارونة الدكتورة «نعمت شفيق» كمتحدث رئيسي للمرة الأولى من العاصمة البريطانية لندن، والدكتور هاني دميان وزير المالية الأسبق، بالإضافة إلى عدد من رجال الصناعة المصريين بالخارج والداخل.
 
كما أدار الندوة الدكتور عادل العدوي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، وسط تطبيق كامل للإجراءات الاحترازية التي شدد عليها السيد رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي بكل صرامة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، مع مراعاة التباعد الاجتماعي والمسافات والتزام كافة الحضور بارتداء الكمامات.
 
وافتتحت السيدة وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم الندوة ورحبت بالحضور، كما عبرت عن بالغ سعادتها لمشاركة البارونة الدكتورة "نعمت شفيق"، كونها تعد أيقونة للمرأة المصرية بالخارج نفخر بها ونسعى للاستفادة من خبراتها العميقة في مجال الصناعة.
 
وأعربت السفيرة نبيلة مكرم عن تطلعها للخروج من هذه الندوة بعدد من محاور العمل ينطلق من خلالها المؤتمر نحو أهدافه المرجوة، وعلى رأسها دعم جهود الدولة المصرية في تحقيق رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، فضلًا عن إشراك المصريين بالخارج بخبراتهم في المجالات الصناعية المختلفة، وتبادل تلك الخبرات مع رجال الصناعة بالداخل، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة للاقتصاد المصري.
 
وعقب ذلك، بدأت الندوة بكلمة الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط عبر تطبيق "زووم"، حيث أشادت بجهود وزارة الهجرة في تعزيز التواصل مع الشخصيات المصرية البارزة في الخارج من خلال مجموعة متنوعة من الآليات المبتكرة والفعالة.
 
وحول برنامج الإصلاح الاقتصادي، أوضحت السعيد أن البرنامج تضمن تنفيذ مجموعة واسعة من الإصلاحات بما في ذلك ضبط السياسات المالية والنقدية من خلال إعادة هيكلة بعض القطاعات وأبرزها قطاع الطاقة وتحرير سعر الصرف وتحسين مناخ الاستثمار، بهدف زيادة التنافسية واستعادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، لافتة إلى قيام الحكومة المصرية باتخاذ العديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية، مما ساهم في خلق بيئة أعمال أكثر ملاءمة، موضحة أن الإصلاحات التشريعية شملت عددًا من القوانين أبرزها قانون الاستثمار الجديد، وقانون الترخيص الصناعي، وقانون الإفلاس والخروج من السوق، مع العمل علي قانون الجمارك الجديد.
 
وحول أزمة فيروس كورونا وتعامل الدولة المصرية معه، أشارت السعيد إلى الاجراءات الاستباقية المبكرة التي اتخذتها الحكومة المصرية للتخفيف من الآثار السلبية للأزمة على الفئات الأكثر تضررًا من المواطنين، مؤكدة أن الحكومة اتخذت حوالي 420 سياسة منذ فبراير وحتى الآن تستهدف جميع الفئات الاجتماعية والقطاعات، موضحة أن الأزمة ساهمت في إعادة ترتيب الأولويات على الصعيد العالمي، مما أدى إلى زيادة التركيز على قطاعات وأنشطة محددة مثل التعليم والصحة والتحول الرقمي والبنية التحتية والزراعة والصناعة والتحول نحو الاقتصاد الأخضر.
 
كما لفتت السعيد إلى إطلاق الحكومة لمبادرة "حياة كريمة" لمساعدة القرى الأكثر فقرًا، فضلًا عن حرص الحكومة على الاستثمار في تطوير البنية التحتية نظرًا للدور الحاسم الذي تلعبه في تعزيز القدرة التنافسية وديناميكية الاقتصاد، إلى جانب تركيز الحكومة على توطين أنشطة الصناعة للمنتجات الرئيسية والتوسع في إنشاء المناطق الصناعية، ودعم تطوير سلاسل التوريد بما يوفر فرصًا كبيرة لتلبية الاحتياجات المحلية وزيادة الصادرات.
 
من جانبه، شدد الدكتور أحمد مغاوري، نائب وزيرة التجارة والصناعة، على ضرورة وضع خريطة صناعية واضحة تعرض الفرص الجديدة المتاحة في ظل انتشار الجائحة"، وتابع: "يجب ألا نعتمد على الاستيراد وفقط، ولكن فتح المجال أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تهدف إلى سد احتياجاتنا من المنتج المحلي، أصبح أمر حتمي الآن".
 
 
وللمرة الأولى وعبر "زووم"، شاركت البارونة الدكتورة نعمت شفيق (مينوش شفيق) -مباشرة من العاصمة البريطانية لندن- كمتحدث رئيسي في الندوة، حيث أعربت –في مداخلتها- عن سعادتها بالمشاركة في الندوة، وأكدت أنها على أتم الاستعداد لتقديم خبراتها في خدمة وطنها الأم مصر، وتحدثت عن تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وقالت: "في وقت انتشار الجائحة، أصبح الكثير من الشركات يبحث عن وسيلة لحماية تجارها وأصبحت الحاجة ماسة للوقاية قبل العلاج".
 
واستطردت قائلة: "دخلت مفاهيم جديدة على القطاع الصناعي العالمي كالتوطين والرقمنة والميكنة، فبعد أن دخلت الميكنة في جميع المجالات الصناعية، أصبح هناك وسائل تكنولوجية تساعد على التحول من الصناعات البدائية للصناعات الحديثة وهذا يكلف أعباء مالية وأخرى تقنية ومن هنا بدأ اللجوء إلى الرقمنة خاصة بعد الجائحة".
 
وتابعت: "في ظل انتشار الجائحة أصبحت الحاجة ماسة إلى التطور الرقمى حيث أصبح الكثير يعملون من المنزل فيما يسمى بالتجارة الإلكترونية وهذا يتطلب تدريبا عميقا، فضلا عما صحب ذلك من تحول اجتماعي، فهناك الكثير من المواطنين تأثروا بالجائحة، وقد نجحت الحكومة المصرية في تقديم الدعم اللازم للعمالة المتضررة وللأسر الأكثر احتياجًا من خلال معاش "تكافل وكرامة" على سبيل المثال وغيرها من برامج لحماية ودعم هذه الطبقات.
 
أوضحت شفيق أنه من الضروري النظر للأيدي العاملة وتدريبها بما يخدم التطور الصناعي الراهن، ويجب أن يكون هناك اتفاقيات للتجارة الإقليمية والعالمية تضمن تسويق المنتج بشكل جيد، لافتة إلى أن مصر موقعها يجعلها تمتلك قيمة مضافة تدعمها في عقد مثل هذه الاتفاقيات.
 
وأشارت شفيق إلى أن الرقمنة داعم رئيسي للصناعات الحديثة مهما اختلف حجمها خاصة في الحصول على الخدمات وبيانات المواطنين، فالأطباء المصريون على سبيل المثال أصبحوا يستطيعون معالجة المرضى عبر الإنترنت، وهذا يحتاج مرونة من البنية الرقمية وتحتاج للعديد من المعايير الحديثة.
 
كما أكدت شفيق أن تعلم اللغة أمر هام في المرحلة القادمة، وخاصة اللغات الإنجليزية والصينية والأسبانية والعربية لأنها ستصبح هي المسيطرة عالميا وهذا يعني أن المحتوى الرقمي سيكون مرتبطا بكونه متوفرا بهذه اللغات الأربعة، ومعربة عن ثقتها في أن مصر لديها القدرة على ذلك.
 
وعقب مداخلة د. نعمت شفيق، بدأ رجال الصناعة في الحديث خلال الندوة وأخذوا يتبادلون الآراء ووجهات النظر حول مستقبل قطاع الصناعة في مصر.
 
فقد قال محمد السويدي، رئيس اتحاد الصناعات المصرية، إن الحكومة تعمل على لم الشمل الصناعي لكن القطاع غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي يؤثر بشكل سلبي بقوة على الاقتصاد.
 
كما أشار الدكتور هاني دميان، وزير المالية الأسبق، إلى أنه يتفق مع العرض الذي قدمته الدكتورة نعمت شفيق، وقال إن الكفاءة والمهنية ضروريان وعلينا أن ننتقل من فكرة البيئة الصناعية لبيئة التصدير، وعلينا أن ننظر إلى الاستثمار الفعلي في ذلك، أما التدريب المهني فهو جزء من المسئولية المجتمعية للمؤسسات من الدرجة الأولى وهو مفتاح النجاح لكل منهم.
 
فيما أوضح النائب محمد أبو العينين، رئيس مجلس إدارة مجموعة كيلوباترا، أن مصر اقتحمت الثورة الصناعية الرابعة بقوة ونجاح، ويجب أن نلتفت إلى أن السباق العالمي في التنافسية يتحدث عن القيمة المضافة والإنتاجية وهما موضوعان لهم أهمية كبيرة، لأن الثورة الصناعية الرابعة تعني كيفية الوصول لقيمة مضافة، ويجب أن نرصد عمالقة الثورة الصناعية الرابعة لاستقطابهم للسوق المصري لتدريب أبنائنا والاستفادة من خبراتهم.
 
من ناحيته، قال د. طارق توفيق، نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية، إن "تأثير جائحة كورونا عالميا قد يدفعنا إلى الاهتمام بالتصنيع المحلي والتنوع لتغطية احتياجات السوق من سلاسل الإمداد المختلفة، فضلا عن جذب صناعات مختلفة والتخلص من البيروقراطية والروتين بالتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص".
 
فيما أوضح د. علاء عز، الأمين العام لاتحاد الغرف المصرية الأورومتوسطية والأفريقية، أن المشاكل فرصة للانطلاق وحل العقبات، مؤكدا أن هناك دائما فرص في مصر للتوسع والانطلاق نحو أسواق أخرى، كما أن السوق المصرية أصبح يحكمها قوانين استثمار واضحة وقواعد تطبق على الجميع بما يضمن تكافؤ الفرص وفتح المجال للمنافسة الحرة.
 
كما لفت د. أحمد فكري عبد الوهاب، عضو اتحاد الصناعات المصرية، إلى أنه أصبح هناك اهتمام متزايد لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط في مجال صناعة السيارات، وقال: "أرى أن التدريب المهني مهم جدا للشباب لأن الشباب هم من سيقودون العمل بالمصانع ولابد من وجود سياسة واضحة للتعامل مع الثورة الصناعية الرابعة".
 
هذا وقد علقت البارونة د. نعمت شفيق على آراء ومناقشات الحضور، قائلة: " لقد زرت أكثر من 100 مصنع في مصر وتوصلت إلى أن الاستثمار الحكومي في البنية التحتية والتدريب والتعليم يمثل العامل المساعد للصناعات في مصر وهو الطريق لدعم الاقتصاد للأمام"، وتابعت: "أرى أن القدرة التنافسية في مصر ممتازة وقد تم إثبات ذلك من خلال الانفتاح على الأسواق العالمية والاعتماد على الشباب".
 
وفيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد العالمي بعد كورونا وفرص مصر وقدرتها على اللحاق بالثورة الصناعية الرابعة، وأوصت شفيق بالتالي: 1) التركيز على القيمة المضافة المحلية للصناعة وتصديرها، 2) تطبيق التحول الرقمي، 3) توفير مظلة حماية مجتمعية، 4) الاهتمام بالتعليم الفني.
 
كما وجهت شفيق رسالة قائلة: "إنني متفائلة بالشباب وإن الحماس والنشاط والطموح بالفعل ملهم جدا وهذا شيء أفتخر به، ولا بد من توفير التعليم الجيد والتركيز على التميز في العملية التعليمية، وما فعلته اليوم هو مثال للمستقبل فإنني أتواصل معكم عن بعد وأسعى أن أساعد الجميع أن يكون مستقبلهم أفضل".
 
وجدير بالذكر أن البارونة الدكتورة نعمت شفيق – والتي تُعرف في بريطانيا باسم "مينوش شفيق"- تتولى الآن إدارة كلية الاقتصاد اللندنية المشهورة (London School of Economics)، كما كانت تشغل قبل ذلك منصب الرئيس التنفيذي لكل من البنك المركزي الإنجليزي Bank of England وصندوق النقد الدولي، ومن قبلهما شغلت منصب نائب البنك الدولي وكانت الأصغر سنًا وسط من شغلوا هذا المنصب، فضلا عن أن ملكة إنجلترا منحتها العضوية الدائمة في مجلس اللوردات البريطاني وعليه حازت على لقب "بارونة"، علاوة على أنها ابنة الدكتور "طلعت شفيق حنطور" أستاذ كيمياء المبيدات بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، والذي قد عمل لسنوات عدة بهيئة الغذاء والدواء الأمريكية وهيئة حماية البيئة الأمريكية.
 
وفي ختام الندوة الحوارية، أعلنت وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم أنه تقرر عمل جلسات ونقاشات مع رجال الصناعة بالخارج والداخل لإعداد قائمة وافية لعدة مشروعات لتكون جاهزة بحلول موعد الإطلاق الرسمي لمؤتمر "مصر تستطيع بالصناعة".
 
ويعد مؤتمر "مصر تستطيع بالصناعة" هو النسخة السادسة من سلسلة مؤتمرات "مصر تستطيع" والذي يتخذ من توطين الصناعة في مصر والاستثمار الصناعي موضوعا أساسيا له في هذه النسخة، في ظل الاهتمام الشديد الذي يوليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا القطاع والذي يمثل محورًا رئيسيا في قاطرة التنمية والمستقبل للدولة المصرية، بشكل يمكننا من الاستفادة من تجارب الآخرين سواء على مستوى الدول، أو على مستوى الأشخاص مع التركيز على تجارب المصريين الذين حققوا نجاحات في الخارج.