أزمة الدواجن تكشف المستور!


بقلم : عمـاد رحيم
 
ما بين قرار رفع الجمارك عن الدجاج المجمد، والتراجع فيه مرت خمسة عشر يوما شهدنا خلالها حالة من الارتباك الشديد، كانت فيه الحكومة طرفاً أصيلا،

وعلى جانب آخر تبارى المستوردون والمنتجون للدجاج فى الزود عن مصالحهم، مستخدمين كل وسائلهم المتاحة، وكل طرف يقدم للرأى العام مصوغات الدفاع عن وجهة نظره. 
 
الحكومة تؤكد أن القرار من أجل سد العجز المتوقع فى الانتاج المحلى، مستندة إلى ضرورة توفير هذا المنتج الحيوى للمستهلك بسعر مقبول، ولأن القرار إتسق مع مصلحة المستوردين هللوا له، بل أثنوا على الحكومة، فى واقعة تؤكد أن المصالح هى الحاكمة، أما المنتجون فقد هاجموا القرار بضراوة شديدة، مبررين هذا الهجوم بخوفهم من الخسائر التى سوف تتكبدها الصناعة المحلية جراء الدخول فى منافسة مع منتج مستورد تتوافر له امكانات تجعله يتفوق سعراً على المنتج المحلى! ولكن الحقيقة التى لا تقبل الشك أن الحكومة تسرعت فى إصدار هذا القرار، لأنه خرج دون دراسة مستفيضة تكشف السوق بدقة، وإذا اعتبرنا أن القرار كان خاطئا، فيحسب لها التراجع، أما إذا اكتشفنا أن التراجع كان نتيجة ضغط المنتجين فتلك كارثة! لأن مصلحة المواطن فى هذه الحالة لا تحتل أى درجة من الأهمية، وهنا يتوجب على مجلس الشعب الممثل القانونى للمواطن المطالبة بإقالتها فوراً. 
 
تسرعت الحكومة، لأن قرارها برفع الجمارك عن الدجاج المجمد، كان يوجب فى مقابله اتخاذ قرار بتخفيض الجمارك عن مستلزمات انتاج الدواجن المحلية من علف وأدوية بيطرية، غير المتوافرة بالسوق المحلية، لإيجاد مجال جيد من التنافس بين المستورد والمنتج، يصب فى النهاية لمصلحة المستهلك، وهو ما حدث مؤخرا!

وبالبحث عن المستفيد من القرار، والمستفيد من التراجع عنه، يتأتى لنا الاقتراب من هذا المشهد المرتبك الذى قامت فيه الحكومة بدور البطل الثانى، تاركة دور البطولة لأطراف أخرى، أثبتت جدارتها فى الدفاع عن مصالحها. أما إذا أرادت الحكومة استعادة ثقة المواطن التى قد يبدو أنها تزعزعت جراء هذا التخبط والارتباك، يكون من الضرورى لفت انتباهها لبعض الأمور المهمة التى يتوجب عليها وضعها بصورة مناسبة فى الاعتبار، أولها، أن هناك مشكلة كبيرة تواجه صغار المنتجين الذين يصل عددهم لعشرات الآلاف، بعد ثورة يناير حدث انفلات غير مسبوق نحو البناء على البقعة الزراعية، وأصبح الكثير من مزارع الدواجن حالياً داخل الكتل السكنية، وفى الريف كما نعلم يعتبر الفلاح تربية الطيور جزءا مهما من حياته وهى وسيلة لزيادة دخله، وبذلك تصبح هناك، بيئات خصبة لإنفلونزا الطيور، لاسيما، وأن الفلاح لا يتعامل بيطريا كما تتعامل مزرعة الدواجن، ولاقتراب المسافة بينهم، أمسى خطر الإصابة بمرض انفلونزا الطيور أمراً وارداً بنسبة كبيرة، بما يعنى تحقيق خسائر مهولة قد تعصف بهذه الصناعة لفترة طويلة، ونحن أحوج ما نكون للتخطيط بجدية وشفافية للحيلولة دون الوصول لهذا الخطر، والذى يمثل حدوثه كارثة بما تعنى الكلمة. 
 
ثانيها، أن المحافظة على سعر 20 جنيها للدجاجة الذى تم الاتفاق عليه، أمر يصعب تحقيقه بالنسبة لصغار المنتجين، فهذا السعر فى الوقت الراهن قد يكبدهم خسائر، حيث إن تكاليف الانتاج تبدأ من سعر الكتكوت عمر يوم فى حدود 6 جنيهات، وعند الوصول لعمر 45 يوما، يصل وزن الدجاجة لـ 1800 جرام، وبعد حساب العلف والأمصال والعمالة والتدفئة، يفوق سعر الدجاجة 20 جنيها بكثير، فكيف سيبيع الصغار بسعر أعلى من السعر المحدد، بما يعنى خسارة مؤكدة لهم، وهذا يتبعه توقف غالبيتهم عن الإنتاج، على عكس المنتجين الكبار الذين يستطيعون توفير ثمن الكتكوت عمر يوم من خلال إنتاجه فى مزارعهم، وبالتالى يكون البيع بالسعر المتفق عليه مربحاً لهم! 
 
ثالثاً، لماذا لا يتم البدء فى إنشاء شركات للأدوية واللقاحات البيطرية التى تحتاجها صناعة الدواجن وتوفير استيرادها من الخارج؟، حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بالخبرات الاردنية التى تتميز فى هذه الصناعة. من هنا لابد للحكومة من إيجاد آلية واضحة تضمن وصول مستلزمات إنتاج الدواجن المحلية بأسعار مناسبة للصغار، مهما يتطلب الأمر لتمكنهم من مواصلة الإنتاج ومن ثم البيع بأسعار معقولة للمستهلك مع تحقيق هامش من الربح يساعدهم على المواصلة. هذا إذا أردنا الحفاظ على هذه الصناعة وتنميتها، وتحقيق اكتفاء ذاتى منها. 
 
وفى الختام شاهدنا جميعنا حرباً ضروسا بين منتجى ومستوردى الدجاج، انتهت بفوز المنتجين مؤقتاً، وفى رحاياها تحول المستهلك، طوعاً أو جبراً، إلى مقاعد المتابعة دون أن يكون له دور يذكر، بل لم نشاهد له وللأسف الشديد وزناً معتبراً يمكن أن يوضع على أجندة الحكومة أو طرفى النزاع، مع أنه هو المعنى الأول بهذه الحرب الدائرة حتى الآن! 
 
لذلك أضحى على الحكومة دراسة صناعة الدواجن بتأن شديد واضعة فى ذهنها كل مشاكلها بعناية فائقة، آخذة فى اعتبارها أن مصلحة المواطن هى الغاية القصوى، كما يتوجب عليها إعانته وفق صدور قرارات تراعى صالحه، قبل صالح الآخرين. 
 
هذا إذا كانت الحرفية هى إطارها الحقيقى فى التعامل مع أزمات الوطن، على الحكومة أن تتخذ إجراءات ملموسة، تؤكد استحقاقها بإدارة دفة الأمور فى هذا الوقت العصيب، وإلا فلننتظر مزيداً من القرارات التى يمكن ان تزيد الحياة العامة ارتباكاً ثم التراجع عنها دون فهم الأسباب! 
 
نقلا عن "الاهرام"