حكومة تصنع الأزمات!


بقلم : عباس الطرابيلي

ونحن لم ننجح بعد فى حل أزمة السكر.. هناك أزمة طاحنة جديدة فى الطريق.. هى أزمة الأرز.. وبالمناسبة شهدت بدايات العام الحالى أزمة كبيرة فى الأرز ضاعفت من سعره فى الأسواق.. وها نحن علينا مواجهة أزمة.. فى نفس هذا الأرز - قبل أن ينتهى نفس العام.. فهل نحن بارعون فعلاً فى صنع الأزمات.. فاشلون - دائماً - فى مواجهتها وحلها!!
 
الحكاية أن التجار دائماً يسبقون الحكومة! والحلم أن يحصدوا المكاسب ولو من قوت الناس.. إذ انطلق كبار التجار إلى الفلاحين، وقبل أن يحصدوا محصول الأرز بشهور، يعرضون عليهم أسعاراً لا يرفضها أحد.. كل ذلك والحكومة بكل أجهزتها تتفرج، ولا تتحرك، وإن تحركت تجىء حركتهم دائماً، متأخرة.
 
قال التجار للفلاحين.. الحكومة تدفع لكم 2400 جنيه لتوريد طن الأرز لها.. ما رأيكم.. لو دفعنا لكم 3200 جنيه، لا بلاش، ندفع 3500 جنيه للطن، أى أكثر مما تدفعه الدولة بحوالى 1000 جنيه، وأكثر، وربما بزيادة قدرها 50٪ عما تدفعه الحكومة. وأى فلاح يستحيل أن يرفض هذا العرض السخى.. ولا تحدثونى هنا عن الوطنية والالتزام. فهذا الفلاح تعب كثيراً بداية من الحصول على المياه اللازمة لرى الأرض.. وعلى سداد أجور العاملين الذين يخوضون فى المياه لوضع شتلات الأرز الوليدة.. وأيضاً فى تدبير الأسمدة التى يحتاجها النبات.. ثم يدفع الكثير لحصاد هذا الأرز. والأهم من كل ذلك أن هذا الفلاح يعانى من الغلاء الذى يصيب كل ما يحتاجه له ولأسرته.. ويدبر أموال معيشته.. فإذا جاء من يعرض عليه شراء محصوله بهذه الزيادة التى تصل إلى حوالى 50٪ مما تعرضه الحكومة.. فكيف يرفض.. وهو الذى تطارده الحكومة بالمخالفات والغرامات عندما يلجأ إلى حرق قش الأرز، لأن الحكومة لم تدبر له كيف يتخلص منه!! هنا يقبل.
 
ونتيجة لذلك يتحكم التجار - من الآن - فى سوق الأرز. والفلاح له من يدفع أكثر، لأنه لا يجد من يحميه من جشع من يتحكمون فى باقى السلع، ولذلك توقعوا موسماً شديد الخطورة فى نقص الأرز.. خصوصاً أننا من الشعوب الأرزية التى لابد من وجود «حلة الأرز» أمام العيال، فهو الوحيد الذى يشبع المعدة.. حتى وإن تحدث البعض عن الخبز.. وأن يشترى التجار طن الأرز بحوالى 3500 جنيه.. فكم تتكلف عملية تبييضه أو ضربه أو إزالة القش من حبات الأرز. وكم تتكلف عمليات نقله ثم أعباء تخزينه.. وتأمينه.. وكل الويل، لو لجأ البعض إلى تهريبه وبيعه خارج البلاد. أو فى الداخل، بعد أن تجرى عمليات تعطيش السوق منه.
 
وبالطبع حتى إن تواجد الأرز - خلال فترة التعطيش - كم يا ترى يصل سعر الكيلو منه.. وكيف سيلجأ المصرى إلى تخزين كل ما يستطيعه من هذا الأرز ليضمن أن يجد أولاده.. ما يأكلونه.
 
لماذا لم تفكر الحكومة - ومنذ بدأت عمليات زراعة الأرز فى أول الموسم - فى زيادة سعر توريد الفلاحين للأرز.. ليعرف الفلاح ما سوف يحصل عليه، وقبل أن ينطلق التجار إلى الفلاحين لإغرائهم بأسعارهم الجديدة، وقد يقول قائل إن زيادة سعر التوريد سوف تتبعها بالضرورة زيادة سعره للمستهلكين.. هنا نرد: أليس هذا أفضل من إخفاء الأرز ثم تسريبه شيئاً فشيئاً بأسعار تزيد كثيراً عما هو موجود.. لأن المواطن عند الحاجة مستعد لأن يدفع ضعف السعر الطبيعى.. كما حدث فى مشكلة السكر.. وكما يحدث فى أنبوبة البوتاجاز.. وغيرها.
 
وإذا كانت الدولة قد واجهت أزمة السكر بالاستيراد.. أليس عاراً أن تلجأ إلى استيراد الأرز، بينما مصر - وعلى مدى تاريخها - كانت فى مقدمة الذين يصدرون الأرز؟! وإذا لجأت الحكومة إلى استيراد الأرز هنا فبكم تبيعه.. وما هى نوعيته؟.. وإذا كان بعضنا يرفض تناول اللحوم المجمدة المستوردة.. فما موقفنا فى حكاية الأرز؟
 
■ ■ أغلب الظن أن الحكومة لن تفعل.. لأن سياستها تقوم على الطبطبة وتحرير المخالفات وأحياناً الغرامات.. مع بعض المصادرات.. ولكن هل هذا يكفى.. أم أنها تخشى أن تواجه الاتهام بأنها ضد حرية التجارة التى أصبحت سيفاً على رقاب كل المصريين.
 
■ ■ ثم هل يقبل المصرى تناول أرز نستورده من بنجلاديش والهند وتايلاند وإندونيسيا.. أم يرفض المستورد، ومازلنا نتذكر تراب الشاى الذى شربناه طويلاً وكيف كان البعض يغش الشاى بخلطه بنشارة الخشب أو باستيراد أسوأ الأنواع من كينيا وتنزانيا، ونسينا طعم الشاى الهندى، أو من سريلانكا الشهيرة.
 
■ ■ وكم أتمنى ألا تكون قرارات حكومتنا مجرد ردود أفعال.. بأن نسبق الأحداث.. هذا إن كانت لدينا أجهزة تراقب ما يجرى فى الأسواق وفى مناطق الإنتاج.

نقلا عن "المصرى اليوم"