لماذا هاتان الزيارتان الاستفزازيتان لسد النهضة؟!


مكرم محمد أحمد

مع الاسف، يزداد جرح العلاقات المصرية السعودية عمقا، ولايبدو ان هناك فرصة سانحة يمكن ان تساعد علي اندمال هذا الجرح قريبا، أما العلاقات المصرية القطرية فقد بلغت دركا سحيقا لم تبلغه من قبل، وما من سبب مصري لهذا التطور الخطير الذي ينذر بعواقب وخيمة، إن لم تتغلب دواعي الرشد والحكمة وتتوقف السعودية وقطر عن استفزاز مشاعر الشعب المصري، الذي صدمه علي نحو مفاجئ زيارتان رسميتان متتابعتان سعودية وقطرية إلي إثيوبيا.
 
أولاهما قام بها وفد سعودي يرأسه مبعوث ملكي علي مستوي عال، تفقد سد النهضة والتقي مع رئيس الوزراء الاثيوبي ليبحثا معا زيادة حجم استثمارات السعودية في مشروعات الري والزراعة الإثيوبية!، اما الزيارة القطرية فقام بها وزير خارجية قطر الذي استقل الطائرة الاثيوبية من مطار القاهرة رأسا إلي أديس ابابا ليعلم القاصي والداني ان الوزير القطري سوف يزور سد النهضة، وسوف يبحث مع رئيس الوزراء الإثيوبي زيادة حجم الاستثمارات القطرية في مشروعات الري والزراعة الإثيوبية، نكاية في الشعب المصري الذي يخوض مفاوضات شاقة مع الاثيوبيين املا في الحفاظ علي حصته من مياه النيل، التي يعتمد عليها المصريون في سد احتياجاتهم المائية في الزراعة ومياه الشرب بنسبة تربو علي 95% لشح الامطار التي تسقط علي مصر وقلة مخزونها من المياه الجوفية!.
 
وما يزيد من حجم استفزاز المصريين، ان السعودية وقطر تعلمان علي وجه اليقين ان قضية سد النهضة بالنسبة لمصر قضية حياة ووجود، وان مؤسسات التمويل الدولية توقفت منذ زمن عن تمويل سد النهضة لانه يمكن ان يضر بمصالح واحدة من أهم دول حوض النيل، مصر التي يمكن ان تتعرض للتصحر أن نقصت حصتها من مياه النيل، وتندثر فيها الحياة، وتموت فوق قفارها حضارة تليدة، أهي اقدم حضارات الانسان، علمت البشرية التوحيد والحكم والزراعة والفنون والآداب وكل الوان الحياة..، لكن مصر سوف تبقي بأذن الله رغم أنف الجميع خالدة آمنة يدخلها الجميع آمنين، هذا وعد الله في كتابه الحق ولاغالب سوي الله.
 
وما الذي تنتظره الدوحة والرياض من الشعب المصري ان وصل استفزازه إلي هذا الحد؟!، وما هي المبررات التي تسوغ لهما محاولة الإضرار بمصالح مصر الاستراتيجية!؟،وما الذي فعلته مصر في حق الشعبين السعودي والقطري يستحق هذا الموقف؟! حتي لو كان هدف الزيارتين الرسميتين مجرد المكايدة!.
 
ما اعرفه علي وجه اليقين، ان المصريين الذين تربطهم بالشعب السعودي منذ الازل علاقات قديمة قدم وجود الدولتين في هذا الجوار الجغرافي، لايزالون علي حبهم وحسن ظنهم بالشعب السعودي، يعزز اواصر القربي بينهم اعتزاز المصريين بدينهم الاسلام، ومحبتهم الفائقة لآل بيت رسول الله،ولا اظن ان شيئا تغير في طبيعة هذه العلاقة..،وما أعرفه ايضا علي وجه اليقين، ان المصريين يعرفون جيدا ان مشكلتهم لم تكن ابدا مع شعب قطر ولكن مع حفنة محدودة تبدد اموال الشعب القطري في دروب مؤامرات شريرة لم تجلب لقطرسوي التعاسة وسوء السمعة!.
 
ومع الاسف ليس امامنا اي وقائع يمكن ان تكون سببا لغضب الرياض والدوحة علي مصر،سوي ان الداخلية المصرية اصدرت بيانا عقب حادث تفجير الكنيسة البطرسية الذي راح ضحيته 27 شهيدا وأكثر من 40 جريحا، قالت فيه ان الجاني زار قطر وأمضي هناك ما يقرب من الشهرين،وهي واقعة صحيحة لم تنكرها قطر، لكن قطر بدلا من ان تعلن علي نحو شفاف تحركات المتهم ومقابلاته ونشاطاته في قطر، مارست مع السعودية ضغوطا هائلة علي دول مجلس التعاون الخليجي لتصدر بيانا تدعي فيه، ان مصر زجت باسم قطر في قضية تفجير الكنيسة!، ولولا جهود الكويت والبحرين والامارات وعمان وهي جهود مشكورة من الشعب المصري بأجمعه لصدر البيان اكثرحدة وأشد لهجة ضد مصر!.
 
وربما يكون من حقنا ان نسأل الاصدقاء الاعزاء في دول الخليج الذين ازعجهم ان يورد بيان الداخليةالمصرية واقعة صحيحة دون اي تعليق، لماذا لم تنزعج دول الخليج من تدبير قطر عرض الفيلم الوثائقي الكاذب (عساكر)علي قناة الجزيرة ليشهر بالجيش المصري علي هذا النحو المسف!، ولماذا لم تنزعج دول الخليج من عرض الفيلم الاخر الذي يشهر بالقضاء المصري!، بينما ازعجهم بيان الداخلية المصرية لمجرد أنه اورد واقعة صحيحة!!.
 
وربما يكون من حقنا ان نذهب إلي درجة ابعد لنسأل الاصدقاء الاعزاء في دول الخليج،لماذا لم ينزعجوا وقد تحولت (وثيقة الرياض)التي وقع عليها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وامير قطر الشيخ تميم بن حمد، وشهد عليها أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد إلي مجرد حبر علي ورق!، وهي وثيقة تاريخية خطيرة كان يمكن ان تحفظ العلاقات المصرية القطرية من كل سوء لو جري احترامها وتطبيقها، لانها تلزم قطرنصا بالتوقف عن دعم جماعة الاخوان المسلمين في دورها المعادي لمصر، والتوقف عن استضافة رموز الجماعة من المحرضين، ووقف كل اشكال الدعم لهذه الجماعة،كما تلزم قطر بمراجعة سياسة قناة الجزيرة ووقف دورها التحريضي في إثارة الخلافات العربية العربية، كما تلزمهما مراجعة سياسات دولة قطر الخارجية تجاه مصر والتوقف عن اي تحركات دولية ضدها!؟، ام ان دور الاخ الكبير الذي كانت تمارسه السعودية وسط اشقائها من دول الخليج لضبط إيقاع الجميع بما يضمن حسن العلاقات العربية العربية قد تلاشي وانمحي، ناهيك عن دورها المأمول في ان تلزم قطر جادة الصواب حرصا علي مصالح قطر ومصالح العالم العربي، أو تصلح بين قطر ومصرالتزاما بدورها المسئول عن حسن العلاقات العربية العربية!..، لكن يبدو مع الاسف أن دور الاخ الكبير قد تبخر دخانا في الهواء وانقلب عكس اهدافه ليصبح عونا لقطر في سياساتها التي يعرف الجميع ان حصادها الوحيد هو التخريب والتدمير والتآمر!.
 
وعندما يسأل الانسان نفسه لماذا تصبر مصر الرسمية علي هذه الاستفزازت لتظهر امام شعبها وكأنها خالية الوفاض لاتملك في جعبتها ما يعيد الامور إلي نصابها الصحيح، مع انها تملك العديد من اوراق القوة التي يمكن ان ترد الصاع صاعين؟!.
 
مع الاسف مرة أخري،لا يجد الانسان اي اجابة شافية علي هذا السؤال المهم سوي حرص المصريين الشديد علي علاقاتهم الوثيقة بالشعب السعودي إكراما لشعب وفي تعرف مصر جيدا انه لايمكن ان يكون راضيا عن هذه السياسات غير الصحيحة التي تستهدف استفزاز الشعب المصري والتهوين من شانه وقدرته علي الفعل!،واكراما لرجال دولة عظماء محفورة اسماءهم بحروف من نور في قلب كل مصري، ابتداء من الملك عبدالعزيز يرحمه الله الذي اوصي اولاده بضرورة الحفاظ علي طيب العلاقات مع مصر وائتمن مصر علي جزيرتي تيران وصنافير التي لاتزال تحافظ علي الوديعة، إلي الملك فيصل يرحمه الله الذي له مكانة خاصة في قلب كل مصري لانه صحح الموقف العربي بعد هزيمة 1967 في بموقفه النبيل في مؤتمر الخرطوم، إلي الراحل العظيم عبدالله بن عبدالعزيز الذي مارس دوره أخا اكبر للجميع علي اكمل وجه، ووقف في وجه محاولات الغربيين حصارمصر بعد ثورة يونيو، ليقول للعالم أجمع ان يونيو ثورة مصرية بكل معني الكلمة، وان من يضر بمصالح مصر يضر مصالح السعودية وعلي الجميع ان يرفعوا ايديهم عن مصر!،وايمانا بان في السعودية لايزال هناك رجال حكمة ورشد يودون اغلاق هذه الصفحة غير البيضاء في علاقات البلدين في اسرع وقت ممكن!.
 
ولا اظن ان هناك مصريا واحدا يعتقد ان هناك تضاربا اساسيا في المصالح بين مصر والسعودية، علي العكس ثمة ايمان عميق داخل مؤسسات الحكم في مصر بان حسن وطيب العلاقات بين مصر والسعودية يساعد علي ضبط إيقاع العالم العربي بما يحفظ للتضامن العربي شروطه الاساسية، ويضمن الوفاء بمتطلبات الامن العربي والحفاظ علي مصالح العرب العليا..،صحيح كانت هناك اجتهادات مصرية في المسألة السورية والحرب اليمنية تختلف في بعض اوجهها مع رؤية السعودية لهاتين المشكلتين، لكن هذا الخلاف لم يصل ابدأ إلي حد صدام المصالح بين الدولتين الكبيرتين، وظل محاصرا في انه مجرد اجتهادات لاترقي إلي حد التعارض، لكن حصاد الموقف الراهن يؤكد بالفعل ان هاتين الحربين تحولتا إلي عملية استنزاف للموقف العربي، نجحت جماعات الارهاب والتطرف في استثمارها لصالحها!، ومن الضروري تكاتف كل الجهود لانهاء الحربين اليمنية والسورية في اسرع وقت ممكن..،وهذا ما تؤكده الان مواقف السعودية كما اكدته مواقف مصر من قبل..،وحسنا ان التزمت مصر الرسمية الصمت الكامل تجاه الزيارتين الاستفزازيتين كي لاتسوء الامور كثيرا، وتحملت من بعض تيارات الرأي العام المصري انتقادات قاسية تتهمها بلين العريكة،والتساهل إلي حد التفريط،والرضوخ لاهانات لا يبنغي الرضوخ لها لانها تملك اوراقا وكروت قوية كان يمكن ان تضع الامور في نصابها الصحيح منذ اللحظة الاولي!.
 
وفقط لمجرد التذكيرلا أكثر أوأقل،كانت الخيارات امام مصر الرسمية كثيرة ومتنوعة لو انها انساقت بدوافع شعبوية كي ترد علي استفزازات قطر والرياض بعد الزيارتين الرسميتين لموقع سد النهضة والدخول في تفاوض مع رئيس الوزراء الإثيوبي حول اسهام قطر والسعودية في مشروعات الري والتنمية الزراعية،هدفها الحقيقي ضرب مصالح المصريين وكسر انوفهم!!.
 
كان يمكن لمصر ان تعلن انسحابها من التحالف السعودي المتعلق بالحرب اليمنية لكنها لم تفعل، ولاتزال قطعها البحرية ترابط في باب المندب لان مصر ترفض عدوان الحوثيين علي حدود واراضي السعودية!، وكان يمكن لمصر ان تصدر قرارا بوقف رحلات العمرة هذا العام التي تكلف المصريين اربعة مليارات دولار في العام خاصة مع ازمة شح النقد الاجنبي التي لاتزال صعبة، لكن مصر لم تفعل وسمحت لمن يريد الذهاب ان يدبر امر نفسه!،وكان يمكن ان تفتح بابا للحوار مع إيران ردا علي الزيارتين الرسميتين الاستفزازيتين لسد النهضة لكن مصر لاتجيد فن المكايدة!.
 
وربما كان في وسع مصر ان تلعب في اليمن لكن مصر تحترم توقيعها علي بنود اتفاقية جدة التي وقعها عبدالناصر وفيصل يرحمهما الله، ولاتزال تحترم مصالح السعودية في اليمن، وتود لو نجحت كل الاطراف في اقرار تسوية سياسية للحرب اليمنية تحترم الشرعية الدستورية، وتحفظ لكل الاطراف حقوقها وتمكن الشعبين اليمني والسعودي من استعادة علاقاتهما الخاصة علي نحو صحيح..، لكن مصر الرسمية اثرت الصمت والانتظار لانها لاتزال تفضل الحوار، وتستبعد اي صدام مع السعودية حرصا علي علاقات الشعبين، ولاتري ان خلافها مع السعودية حول الازمتين اليمنية والسورية يمكن تصعيده ليصبح مسوغا لصدام المصالح بين البلدين،لانه خلاف جد محدود حول الادوات والوسائل وليس الغايات والاهداف، لم تصنعه مصر ولم تفكر ابدا في اشهاره او اعلانه او توسيعه واستخدامه في اي محفل عربي او اقليمي او دولي،وحرصت دائما علي ان يبقي هذا الخلاف في اضيق نطاق ممكن.
 
وعندما ارتضت مصر لنفسها دورا في التحالف السعودي ضد الحوثيين رغم انها لم تُستشر ولم تاخذ علما بوجودها ضمن قوي التحالف إلا بعد اعلان الرياض عن تشكيل هذا التحالف واهدافه، فعلت مصر ذلك عن طيب خاطر حرصا علي مصالح السعودية وحفاظا علي مكانتها..، وبرغم تجربتها السابقة في اليمن ومعرفتها الدقيقة بمخاطر ومصاعب الحرب الجبلية في شمال اليمن، شاركت القاهرة بدور مهم واساسي في حماية مضيق باب المندب..، ومع الاسف لم تتفهم الرياض موقف مصر علي حقيقته وصورت القضية لدول الخليج باعتبارها نوعا من تهرب مصر من مسئولياتها عن الامن العربي يتطلب البحث عن بديل لمصر في اسرع وقت ممكن!، وجدته الرياض اخيرا في الخطبة العصماء التي القتها رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي في مجلس التعاون الخليجي الذي عقد اخيرا في المنامة، تتعهد فيها امام زعماء الخليج بان يكون آمن الخليج مرادفا لامن بريطانيا!، تلتزم فيه بشراكة استراتيجية مع دول الخليج!، تعمل معها جنبا إلي جنب لمواجهة الاخطار التي تواجهها، مؤكدة ان التعاون بين لندن ودول الخليج سوف يشهد نقلة نوعية في مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب، بما يعني ان علي دول الخليج تطمئن بالا لان بريطانيا سوف ترعي امنها علي اكمل وجه خاصة ان اصبح لها قاعدة جوية او بحرية في اي من دوله، بدلا من مصر التي يحسن تجريدها من مسئولياتها عن امن العرب القومي لانها لم تشارك بقواتها البرية في الحرب اليمنية،وهي فرية كاذبة ظالمة لان مصر لا يمكن ان تتخلي عن مسئوليات امنها القومي بما في ذلك السعودية وقطر..، ولهذا السبب كانت تصر دائما علي وجود قوة عربية مشتركة تشكل رادعا لاي عدوان خارجي يهدد الامن العربي واظن ان الجميع يعرف من الذي عطل القوة العربية المشتركة ولماذا عطلها!.
 
نقلا عن صحيفة ” الأهرام”