الجزيرتان: تاهت ولقيناها!!


عباس الطرابيلي
 
وأنا خارج القاهرة، بعيداً عن مكتبتى ومراجعى وأرشيفى أكتب منذ أسبوعين.. إلى أن جاءت قضية صنافير وتيران.. وألهمنى سبحانه وتعالى فكرة اقتسام الجزيرتين.. وهى موجودة فى القانون الدولى وتتفرع من فكرة المناطق المحايدة.. حلاً للمشاكل.. إلى أن طالعتنا «المصرى اليوم» أمس، وعلى صدر صفحتها الثالثة بقرار وكالة المخابرات المركزية الأمريكية رفع السرية عن 12 وثيقة تغطى فترة الحرب الباردة، ومنها وثيقة بتاريخ 25 فبراير 1957 حول وضع الجزيرتين. تقول إنه لم توجد سجلات يمكنها حسم من له السيادة على الجزيرتين بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. وأوضحت الوثيقة أن أمريكا وبريطانيا تعتبران أن تيران تقع فى المياه المصرية.. أما صنافير فتتبع السعودية، ورجحت واشنطن ولندن أن مسألة السيادة والتبعية لن تحسمها إلا المحكمة الدولية.. ثم - وتابعوا ذلك باهتمام - قالت الوثيقة إنه فى 26 فبراير 1950 بث راديو تل أبيب بياناً مصدره القاهرة نشرته «يونايتد برس» يفيد بأن تيران تقع ضمن المياه المصرية فيما تتبع صنافير السعودية.
 
هذا هو ما جاء فى وثائق المخابرات المركزية الأمريكية التى أفرج عنها أمس.. فهل ما كتبته هنا - على مدى عدة أيام قبل أن نعرف حقيقة هذه الوثائق - جاء ضربة عشوائية منى.. أم هو المخرج السليم الذى وصلت إليه - هنا - حلاً لهذه المشكلة.. أم نقول «تاهت ولقيناها!! كما يقول المثل الشعبى المصرى.
 
هنا نقول إن أى سعودى مخلص يتمنى حل هذه المشكلة.. وإن أى مصرى مخلص يتمنى أيضاً الوصول إلى حل.. وأضيف - دون أى صوت حنجورى «لا يودى ولا يجيب»: «يا فرحتى إن السعودية تخسر مصر أو إن مصر تخسر السعودية.. بسبب جزيرتين لم تستخدما أبداً من الطرفين.. بل ما أكثر الجزر فى البحر الأحمر، من مدخله الجنوبى عند جزيرة بريم فى باب المندب.. إلى أقصى شمال خليج العقبة شرقاً وأقصى شمال خليج السويس غرباً.. أم هناك فعلاً من يهوى اختلاق المشاكل؟!».
 
وحل «الاقتسام» كما شرحته على مدى الأيام الأخيرة يقوم على أن تصبح الجزيرة الأقرب إلى البر السعودى شرقاً تابعة للسعودية. وتصبح الجزيرة الأقرب إلى البر المصرى - فى سيناء - غربا تابعة لمصر تنفيذاً لنظرية «المنتصف» فى المياه الإقليمية.. وأيضاً فى المياه الاقتصادية الدولية تماماً كما تعاملنا فى قضية حقول الغاز الطبيعى، فى حقل ظهر مثلاً.
 
وهذا الحل هو أفضل مخرج أمام الرئيس السيسى من هذا الخلاف بين الحكومة المصرية والقضاء المصرى.. وهو أيضاً أفضل مخرج أمام العاهل السعودى الملك سلمان.. وكأن ما جاءت به هذه الوثائق «الأخيرة» يتفق مع ما اقترحته هنا قبل أن تتأزم الأمور أكثر ونخسر كلنا معاً، مصر والسعودية. وكأن الله سبحانه وتعالى يأخذ بأيدينا إلى الحل السلمى الأفضل، قبل أن تتفاقم القضية.. وكأنه سبحانه وتعالى يحمل هدية للشعبين.. نقول ذلك لأن كلا البلدين فى أزمة حقيقية، فالسعودية فى أزمة مالية حقيقية بسبب انخفاض أسعار البترول مما أثر حتى على مشروعاتها التنموية الداخلية ولجوئها إلى الاحتياطى.. كما أن مصر - أيضاً - فى أزمة مالية طاحنة.. وهذا يجعلنا نؤكد أن أحداً - من الطرفين - يبحث عن أزمة جديدة.. وإسرائيل فى مقدمة الساعين، بل الدافعين إلى زيادتها، لأن مصر والسعودية هما الآن القوة العربية القادرة على الصمود أمام طموحاتها غير المنتهية.. حتى تعيش إسرائيل فيما تتمناه وتسعى، فى أمان تام.
 
■ ■ وكم أتمنى من الأصوات العاقلة فى الدولتين أن تتبنى هذه الفكرة.. بل أن تمضيا سوياً فى الاستثمار المشترك، سواء فوق هاتين الجزيرتين.. أو كذلك فى غيرها، ومن كلا الطرفين.. بشرط أن يتم التواصل بينهما، بعيداً عن الإعلام الذى أرى أكثره مغرضاً.. وأعلم أن الإخوة فى السعودية يفهمون هذا الوضع جيداً.. ويعملون على عدم التصعيد.. وهنا أشيد كثيراً بمحاولات الوساطة بين الطرفين من أشقاء عرب وخليجيين، من الوطنيين الذين يفهمون جيداً عواقب تصعيد هذه القضية.
 
■ ■ هى فعلاً أفضل مخرج متاح الآن - وربما فى المستقبل - أمام الرئيس السيسى وأمام الملك سلمان.. وأعلم أن أحداً منهما لا يقبل ولن يقبل التنازل عن أى أرض يراها حقاً لبلاده.. والاتفاق على التعمير المشترك كل فى جزيرته.
 
■ ■ أليس هذا أفضل من التأجيل الذى يحول القضية إلى نار تحت الرماد.. أو إلى بركان يغلى تحت السطح.. ودافعنا - كما هو دافع كل مصرى وكل سعودى - هو المصلحة العليا للبلدين.
 
يعنى: تاهت.. ولقيناها.. أليس كذلك؟!
 
نقلا عن " المصرى اليوم"