شعب يتكلم .. وحاكم يسمع ويلبى


بقلم : عباس الطرابيلي

الانطباع الأول - والأهم - الذى خرجت به من مؤتمر الشباب بشرم الشيخ هو أننا ولأول مرة يجلس الشعب على المنصة.. والحاكم يجلس أمامه يستمع.. ثم يلبى.. وتلك هى القاعدة الأساسية للديمقراطية. بعد أن عشنا عصوراً عديدة كانت التعليمات والأوامر تصدر من أعلى، أى من الحاكم.. وما على الشعب إلا أن ينفذ. وما خرجت به من شرم الشيخ أن التعليمات أصبحت تصدر من الشعب.. وعلى الحاكم - والحكومة - أن تستجيب، وتلك هى البداية الصحيحة لبناء الدول.. فما الحكومة إلا حسن إدارة الأمور - وفقاً لما يريده الشعب.
 
وقديماً، كما عشنا وشاهدنا مؤتمرات تنتهى بتوصيات ثم توضع فى الأدراج.. ويعلوها التراب.. أما فى شرم الشيخ فرأينا الحاكم وفى الجلسة الختامية، ليس فقط يستجيب، بل يحول التوصيات إلى قرارات واجبة التنفيذ.. بل - وهذا مهم للغاية - وجدناه يحدد المدة اللازمة للتنفيذ.. وهذه هى المرة الأولى التى تتحول فيها المؤتمرات إلى ورش عمل تصل إلى توصيات، فيحولها الحاكم إلى برنامج عمل!!
 
وفى مقعدى - فى القاعة الكبرى للمؤتمر - هتفت من أعماقى وقلت تلك هى البداية الصحيحة لبناء الوطن. وربما أقول دون مواربة إننى كنت سابقاً أتساءل: متى تنطلق مسيرة العمل.. وهل يضيع الزمن قبل أن نرى الشعب يجنى ثمار ثورتيه؟.. كنت أستعجل برنامجاً للعمل. فقد ضاع الكثير ونحن نتكلم.. وكنت أصرخ فى كل مقالاتى يا ناس هيا إلى العمل.. وحرام أن تنهار مصر بسبب تزايد اعتمادنا على الخارج.. وانخفاض حجم إنتاجنا.. ولكننا نحتاج إلى الدافع وإلى القدوة.. وكنا نحتاج إلى صدق الحاكم، وشفافية حكومته. وأن نقول للناس الحقيقة مهما كانت مرارتها.. والأهم أن يقدم الحاكم حسن نواياه بأن يستجيب لمطالب الأمة.
 
ومن الواضح أنه بسبب عنف الحروب التى تواجه الوطن فى الداخل والخارج كان الحاكم يدفع المحكومين إلى أن يقفوا بجواره ويعملوا معاً.. فلن يبنى مصر إلا كل المصريين.. حتى ولو كان الثمن غالياً.. بشرط أن يعرف الشعب كل الحقيقة. ويتأكد أن الحاكم - الذى خرج منه - سوف يلبى.. وأن الحاكم يثق أنه بوقوف الشعب معه يصنع المعجزات. وكم كان هذا الشعب يصنع المعجزات فى السابق، ولكن بعد أن يجد القدوة والإخلاص، وهنا لا يكفى فقط أن يكون الحاكم حسن النوايا، بل لديه أيضاً الرغبة والاستجابة لمطالب الناس، وأنه مهما وقف بجوارنا كثير من الأشقاء والأصدقاء، فإن وقوفهم معنا هدفه أن نخرج من غرفة الإنعاش، أى نعبر فترة الحاجة إلى العناية المركزة. وهنا طلب منا الحاكم ألا نحرجه أكثر مع الأشقاء، فقد ساعدونا - ولكن ليس إلى الأبد - إلى أن نقف على أقدامنا.
 
ولكن العمل الأكبر هو أن ننطلق - ونحن على باب غرفة الإنعاش - إلى العمل، وكان شباب الوطن فى المقدمة.. لأن مصر دولة شابة بحكم أن الشباب يمثلون أكثرية سكانها.. ولم يخذل الشباب حاكمهم وهو يطالب من شرم الشيخ بالاصطفاف والتوحد والعمل.. وهذا فى نظرى درس تقدمه مصر ليس فقط للشعوب المجاورة.. ولكن لكل شعوب الأرض.. والشعوب العظيمة - وحدها - هى التى تقدر هذا الأسلوب فى الحكم.
 
هنا أقول إن مصر بدأت تجنى ثمرات ثوراتها.. وإن مصر الشابة هى الأمل.. وعلينا هنا أن ننظر لكل الدول من حولنا ونعرف أن من أخطر أسباب انهيارها أن شعوبها تمزقت. وتقطعت وصار الكل يضرب الكل.. وما يجرى فى العراق وسوريا واليمن.. ثم فى ليبيا خير مثال.
 
وباستجابة الحاكم لرغبات الشباب - بعد أن شارك فى معظم ورش العمل بالمؤتمر - يكون الرئيس السيسى قد كسب الشباب إلى جواره تماماً. فقد حول مطالبهم إلى قرارات.. محددة المدة.. لتتحول رغباتهم إلى برنامج عمل محدد وشامل.. ولهذا كان استقبال الذين وضعوا هذه التوصيات لقرارات الرئيس رائعاً.. وهو هنا لم يدغدغ حواس الشباب، لكنه كان حقيقياً لقناعته بأن الشباب هم قوة الحاضر والمستقبل.
 
■ ■ وزاوية أخرى.. فالحاكم وإن لم يلغ جوائز الدولة التى تذهب فى الغالب إلى الشيوخ وكبار السن، أى أصبحت عبارة عن مكافأة نهاية الخدمة، فإنه ابتدع جائزة الإبداع.. وكل من حصل عليها - أمس الأول - كانوا من الشباب، وفى كل أوجه الإنتاج: فى الفن، وفى الموسيقى، وفى الهندسة، وفى التحدى الرياضى.. من الرجال وبنات مصر. وبذلك فإن الحاكم يثمن معنى العمل.. معنى أن تنتج وتجيد.. وتتفوق. وتلك عظمة الشباب.
 
■ ■ ونحن وإن أعطينا الأولوية للشباب، حتى فى الغناء، لم ننس عندما غنى الشباب أغانيهم الشبابية الجديدة.. أن يقدم نفس الشباب واحدة من أغانى الشعب منذ سنوات عديدة.. فعلوا ذلك ليؤكدوا عظمة توالى الأجيال.
 
■ ■ لقد رأيت مصر الحديثة هنا تنهض من جديد، من شرم الشيخ، عندما رأيت الحفل الختامى من داخل القاعة، ورد الكل الجميل للحاكم عندما يحسن الاستماع.. ولا أخفيكم سراً أننى بكيت فرحة وابتهاجاً وأنا أرى مصر أصبحت بين يد شباب مستعدين للعمل.. وحاكم يستمع.. ولا يملى القرارات.
 
وقلت: مصر الآن على بداية الطريق الصحيح.. لأن مصر الشابة قد تيقظت ونهضت من كبوتها.. وسوف أموت بذلك وأنا مطمئن على مصر وأنا ممن حملوا السلاح وعمرهم تحت العشرين!!

نقلا عن "المصرى اليوم"