أبيس .. قرية ظاهرها بسمة رضا مكسورة وباطنها الفقر

أدهم على


ابيس .. قرية مصرية تقع شرق الإسكندرية يوحي مدخلها بالفقر، ويظهر على وجوه أهلها بسمة مكسورة ممزوجة بالشعور بالرضا، هي قرية لها طابع الحياة الريفية البسيطة، يعاني أهلها من تجاهل المسئولين.
 
تجولت صوت المال، في قرية أبيس وتحدثت مع أهلها في رحلة استمرت يوما كاملا، حول مشكلاتهم ومطالبهم التي كان من الواضح أنها أبسط حقوق المواطن العادي في ريف مازال يحتفظ برونقه وجمالة وطبيعته الساحرة.
 
شكاوى متكررة
 
يحكي فريد عمران “أعمال حرة”، أحد أفراد أهل القرية عن معاناتهم في تدني الخدمات كالطرق والتعليم و المياه، قائلاً: إن الطريق بأبيس ليس مُمهد وضيق ويسبب حوادث كثيرة داخل القرية.
 
وأضاف خلال حديثه ل “صوت المال”، عندما تقدمنا بشكوى إلى مجلس الشعب قالوا إن هذا الموضوع يخص هيئة الطرق والكباري فأرسلنا مذكرة إلى هيئة الطرق و الكباري بتزكية من مجلس الشعب فقال مسئولي الهيئة إن الأزمة تخص المحليات و الحي، فقمنا بإرسال مذكرة أخرى إلي الحي، وكان الرد من رئيس الحي أنه لا تتوافر ميزانية لإصلاح الطرق و إلى الآن لم يلتفت إلينا أي مسئول.
 
وأشار إلى أن أزمة المواصلات تتزايد بالقرية فهناك صعوبة كبيرة في التنقل داخل القرية أو خارجها، وكذلك طلاب الجامعات يعانون من قلة وسائل المواصلات التي تنقلهم إلي جامعاتهم.


ويتحدث (م ج) فلاح من أهل القرية عن أزمتهم في الزراعة، فهم ممنوعين من زراعة الأرز بسبب أنه يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء وقام المزارعون بتقديم طلب إحاطة إلى وزير الزراعة بالمجلس عن طريق نائب أبيس لحل هذه المشكلة ولم يبت في الموضوع حتي الآن.
 
وأضاف، كما أن عدم زراعة الأرز تسبب في الإضرار بالتربة لأن أراضي أبيس هي في الأصل ملاحات و زراعة الأرز كانت تقلل من ملوحة التربة وبالتالي عدم زراعتها أدى إلى زيادة ملوحة التربة مرة أخرى والذي تسبب في خسائر كبيرة للمزارعينً بسبب تلف بعض المحاصيل.

قرية ابيس
 
وكذلك يجد المُزارعون صعوبة في الحصول على الحبوب والتقاوي نظراً لأن المتحكم فيها رجال أعمال ومستثمرين وبالتالي يبيعونها بأسعار مرتفعة لعدم إشراف ورقابة وزارة الزراعة عليها فمثلاً نبيع الطن بألف جنيه في حين أن سعر الطن المستورد من اسكوتلاندا والدنمارك وصل إلى 20 الف جنيه، بالإضافة إلي أنه تم رفع سعر الأسمدة من 2000جنيه إلى 3000 جنيه للشيكارة الواحدة فأصبح المُزارع البسيط غير قادر على توفير السماد لأرضه، ويضطر إلى الحصول علي الحبوب من الخارج وقد تكون مُسرطنة ولم نجد ضماناً لجودتها وتقدمنا بالشكاوي ولا أحد يلتفت.
 
عقوبات

ورغم أن السبيل الوحيد للرزق في قرية أبيس هو الزراعة، إلا أن الحكومة تفرض أحكاماً علي زراعة الأرز تصل إلى السجن عام وغرامة تتراوح من 3000 إلي 5000 جنيه بتهمة تبديد مياه الري، إلى جانب ذلك تترك الحكومة من يقومون بالبناء بدون ترخيص وتتجه لمن يبدد مياه الشرب دون أن تفرض أدنى عقوبة عليهم، فمن أولى بالمحاكمة؟!، من يتعدوا على أراضي الدولة أم من يبحثون عن سبيل لتوفير لقمة العيش لأسرهم في ظل ارتفاع كبير في الأسعار تشهده البلاد.
 
وفي السياق ذاته روي شهود عيان لصوت المال من أهل القرية أن المياه متوافرة وأن المُزارع أصبح يستخدم طرق لتوفير المياه مثل الري بالتقطير، فهم لم يجدوا المبرر وراء تغريم المزارعين على زراعة الأرز سوى تحصيل الغرامات من الفلاحين من قبل الدولة!.
 
بدون مدارس
 
قرية لها تعداد سكاني كبير يقترب من المليون ونصف نسمة يقابلها عدد محدود من المدارس ونقص ملحوظ في عدد المُعلمين، وهناك فصول يصل بها عدد الطلاب إلى 80 طالبا، بلا نظرة من وزير التربية و التعليم، وقام أهل القرية بتقديم شكاوى إلى إدارة وسط اسكندرية التعليمية بسبب نقص المُعلمين، فكان حل المشكلة هو انتداب مُعلمين من إدارات أخرى، وظلت المشكلة ولم يتغير الوضع كثيراً فيأتي المعلمين المُنتدبين غير حريصين على مصلحة الطالب و لا يعبئون إلا بقضاء فترة الانتداب دون أن يكترثوا هل يحضر الطلاب و يفهمون دروسهم أم لا.

 
وفي هذا السياق تقول “ياسمين سيد” 15 عاماً من بنات القرية عن تركها للتعليم بعد المرحلة الابتدائية، وتقول “مكنتش حابة أتعلم لأن مستوى المدارس هنا سيء جداً فقررت أشتغل في أحد مصانع المنسوجات اليدوية و في المصنع عوضت التعليم الي سيبته لأنهم بيحفظونا قرآن وبيخلونا ندخل المكتبة ده طبعاً جنب شغلنا”.
 
القرية يصل تعدادها 100 ألف نسمة في قرية أبيس، ولا يوجد بها مستشفى عام واحدة على الأقل، ولا يوجد سوى وحدات تنظيم صحية غير مجهزة ولا يوجد بها أطباء متخصصين أو وحدة إسعاف و مكان للطوارئ.
 
واجهة أبيس
 
يأتي في مدخل قرية أبيس مصنعا للسماد وبالرغم من أن هناك أماكن أخرى في القرية بعيدة عن السكان يمكن أن ينتقل المصنع إليها وأن أهل القرية طالبوا كثيراً بنقله إلا أنه ظل في مكانه، وهذا المصنع يخرج عنه أدخنة باستمرار، هذه الأدخنة تضر بصحة الأطفال و تسبب أمراض خطيرة كما تضر بالتربة الزراعية، وقد تؤدي إلي تلف المحاصيل الزراعية، ويبدو لمن يأتي إلى القرية من الخارج أن القرية غير نظيفة ولكن الحقيقة أن أهل القرية يهتمون بالنظافة إلى أقصى حد ولكنهم يحتاجون إلى من يساعدهم من الجهات الحكومية حتى تظهر القرية بشكل أفضل.
 
كل هذا الكم من المشكلات ولم يلتفت أحد إلى هذه القرية سوى القليل من الجمعيات الأهلية الخيرية والتي تعمل على حل مشكلات تلك القرية بقدر المُستطاع، فقامت مؤسسة مصر الخير والتي ترفع شعار” تنمية الإنسان.. مهمتنا الأساسية” بافتتاح عدد من مصانع السجاد اليدوي مؤخرا في نواحي أبيس المختلفة وعملت على توفير فرص جيدة لتدريب أهالي القرية وتعليمهم ما يتعلق بتلك الصناعة.
 
ووجدت مصر الخير استجابة جيدة من الأهالي في التدريب والإنتاج وأصبحت قرية أبيس مشهورة محلياً بصناعة السجاد اليدوي، كما تعمل على تطوير إنتاجها بشكل مستمر.
 
وللمحافظ رأي
 
ورداً على ذلك قال الدكتور محمد سلطان، محافظ الاسكندرية، إن هناك تعاون بين المحافظة ومؤسسات المجتمع المدني وأعضاء البرلمان من أجل تطوير القرى الأكثر فقرا واحتياجا بالمحافظة، مشيراً إلى أن القرى الفقيرة ظلت فترة كبيرة مهمشة.
 
وأضاف المحافظ في تصريحات خاصة لـ "صوت المال"، أن المحافظة تعمل الآن على تطوير قريتين هما أبيس وبرج العرب، وذلك بالتعاون مع المجتمع المدني، مُوضحاً أن التطوير يشمل ادخال كافة المرافق كالصرف الصحي ومياه للشرب.
 
ونوه أن هناك زيارة لوزير التربية والتعليم الأسبوع القادم لمتابعة حالة المدارس بالقرى الفقيرة والعمل على تطويرها كما تعمل القرية علي استقبال فصل الصيف القادم بتجهيز كافة الشواطئ و إصلاح الكورنيش.