ابن الجناينى وبنت الباشا !


كان الرأي صادما لي عندما رفض صديقي عمرو عبد المنعم والمعروف بأنه من اشد المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان زواج “انجي بنت الباشا من على ابن الجناينى ” .. تعليقا على ما أثير حول طرح احد القضاة لموضوع عدم احقية تعيين ابن عامل النظافة في السلك القضائي من اجل مهنة ابيه .. وكان مبرر عمرو ومؤيديه أن الكفاءة شرط في الزواج والقضاء .... ودار على الفور بعدما طرحت هذا التساؤل بين أربعة من الزملاء فى مناقشة حامية الوطيس :
 
بادر “محمود جمعة” وهو من معارضي فكرة التمييز بين طبقات المجتمع بالسؤال مخاطبا عمرو ، ما هي محددات الكفاءة في العلوم الفقهية؟
 
وعلى الفور رد “عمرو” على “محمود” قائلا : إن الكفاءة معيار الزواج وكذلك الكفاءة معيار دخول سلك القضاء ، فلو تزوج علي الجنايني إنجي وتشاجرا بعد الزواج لقالت له “انت نسيت نفسك ولا ايه انت ابن الجنيني بتاعنا” ، ولو هم القاضي بالحكم وقال له المتهم “انت نسيت نفسك ده كان ابوك زبال أو جنايني كيف يحكم “.
 
وأكمل “عمرو” دفاعه عن وجهة نظره قائلا : ” أنا اعمل الآن علي فتوي المحكمة الشرعية في زواج الشيخ علي يوسف من بنت الشيخ السادات وكيف رفضت الزواج لأنه كان يعمل “صحفي جرنالجي كداب جاسوس ” هكذا عرفت المحكمة مهنة الصحافة سابقا “.
 
وأبى “محمود” إلا الدفاع عن رأيه ووجهة نظره وهى التي أميل لها أنا أيضا بالقول : ” طب لو علي رد عليها وقلها أنا أبويا زبال بس رباني وعلمني لحد ما بقيت كفؤ لأتزوجك؟! هذا قياس غير منطقي “.
 
فانبرى “عمرو” مدافعا :”الكفاءة شرط الزواج والكفاءة شرط العمل في القضاء وهذه أحكام الفقه الإسلامي وهي اجتهادات”.
 
وعلى الفور رفضت “أسماء أبو شال” وهى إحدى الزميلات المجتهدات المدافعات عن حقوق المرأة قائلة أيضا في رأى لم نعتاده عليها من قبل ” وأنا أضم صوتي لصوته طبعا ” تقصد عمرو .
 
ويرد “محمود” :”هل من شروط الكفاءة إن أبو القاضي أو الزوج يبقى من عائلة وابن طبقة عليا ولا لأ ؟!”
 
وتكمل “أسماء” تعقيبا على “محمود” :”النوعية دي من الأفلام كانت معمولة بهدف سياسي تمجيداً في ثورة يوليو اللي كانت ماشية على الهوى وكانت بتروج لمساواة الطبقات ، ومش الفيلم دا بس اللي غير منطقي لا عندك أفلام الستينات كلها كده بتطلع الأغنياء إقطاعيين ولاد و*** ،و الفيلم بتاع مريم فخر الدين الأرض الطيبة لما طلع أبوها باشا وورثته وفى الآخر وحبت عمر الحريرى وهو فقير وبعد عنها لما عرف إنها غنية راحت اتنازلت عن كل فلوسها للفلاحين علشان تتجوزوا ، وفيلم الأيدي الناعمة ابن بتاع البسبوسة لما أتجوز بنت وكيل الوزارة .. كلها رسايل غزل متعمد للثورة ، أما بقى بعيداً عن كل ده ، فأنا ضد إن يبقى فيه تفاوت بين الزوجين في أي شئ التكافؤ مهم جداً مش من باب العنطزة ولا الغطرسة لا طبعا ، علشان الست لما بتتجوز واحد قريب منها فكريا واجتماعيا الخلافات مابتبقاش جوهرية وبيبقوا شبه بعض حتى أهلهم شبه بعض وتستمر الحياة”.
 
وتوجه السؤال لمحمود :” أنت مثلا لو أتقدم لبنتك ابن البواب بتاعكم هاتوافق عليه حتى لو دكتور !! أشك”.
 
يرد “محمود” قائلا فى نبرة تتسم بالحدة ويبدو هذا من طريقة الكتابة : أنا لو رفضت ابن البواب لو اتقدم لبنتي ده ممكن يؤثر على العلاقة بيني وبين البواب.. ودي فى الأصل حالات فردية.. إنما لما يكون متفوق والدولة ترفض تعينه عشان أبوه بواب يبقى كدا بنضرب العدالة وتكافؤ الفرص ويبقى المجتمع غابة اللي هايعيش فيه القوى.
 
وهنا بادرت “رشا المريخي” وهى احدى المدافعات عن حقوق المرأة ومعارضة أيضا لرأيي أنا ومحمود بالقول :” يا محمود السيدة خديجة تزوجت من النبى وكان يعمل عندها رغم عدم تكافؤ المستوي الاجتماعي والمادي والسن واكتفت بصدقه وأمانته ومزاياه لأنه تربي في مجتمع محترم حتى المهن الوضيعة فيه مرتفعة أخلاقيا غير مجتمعنا هذا”.
 
بدأت اشعر بتصاعد الاشتباك فيمت بينهم وهم ضيوف صفحتي فقلت نادما على فتح المجال للحوار .. “انا اللى جبته لنفسي اسعدنى مروركم وباذن الله انجى هاتتجوز على” .
 
لم يلتفت “محمود” لما قلت وواصل الدفاع عن وجهة نظره قائلا :” المجتمع المحترم اللي انتي بتتكلمي عليه أيام النبي “صلى الله عليه وسلم” كان مجتمع يعبد الحجر ويشرب الخمر ويقتل البنات مش مجتمع فاضل”.
 
إلا إن “أسماء” كانت تترقب الموقف ولها رأى آخر فقالت :” انت علشان تصلح دا كله عايز تربي مجتمع او تبيد مجتمع وتجيب ناس تانية جديدة تحترم جميع المهن ، أنا عن نفسي لو في ايدي اعين حد في منصب حساس هختار الاكفأ ثم سافاضل وأحصر بعدها بحسب الأصل ، إذا كان دا بيفرق في الجواز فما بالك لما يتحط في منصب وهو محروم مهما وصل لمناصب!! ، واستذكرت أسماء قائلة “لا تعاشر نفسا شبعت بعد جوع فإن الخير فيها دخيل ، وعاشر نفسا جاعت بعد شبع فإن الخير فيها أصيل”.
 
وأردفت :” مش عايزة كلامي يتفهم اني بحتقر أي مهنة ، ومش صح نقارن الرسول بأي حد تاني ، دا الرسول ياناااس ” .
 
ورد “محمود” بالقول: ” نقارن المجتمع مش الرسول عليه الصلاة والسلام.. وبعدين عشان نقيم دولة مش لازم نجيب ناس من جديد ولا نربي من الأول يكفي إننا نتفق على قانون يحكمنا.. اكبر دولة ف العالم تكونت من العبيد والمجرمين اللي اطردوا من البلاد الأخرى يا أستاذة أسماء “.
 
ثم عقبت “رشا” بالقول :” وهو نفس المجتمع اللي مارضيش يدخل على النساء واستنوه لما يصحي عشان يقتلوه لمجرد انهم مايتقالش عنهم روعوا النساء فتأكل وجوههم العرب على فكرة كان مجتمع فاضل في كثير من تصرفاته طبعا”.
 
وردت “أسماء” على “محمود” بالقول :” معاك .. بس احنا بنتكلم دلوقتى على أرض الواقع”
 
وعندما اختفيت من الحوار اكتفاء بما قيل ومراقبة لتوارد خواطرهم نادت على “أسماء” بالقول :” إسلام انت رحت فين ، جواز انجي من علي باااااااااااااااااااااطل”.
 
وكان “محمود” منتبها أكثر مع “رشا” فى الرد حين قال على كلامها الأخير “يعني الخير فيه والشر فيه يا رشا “
 
وترد “رشا” بالقول :”ايوه بس الفضيلة كانت موجودة في مجتمع الرعاع والطبقات المتواضعة مش زى دلوقت أصلا مش موجودة في مجتمع النخبة”.
 
وهنا توقف الحوار وسكت الجميع عن التعليق بعد أن حانت لحظة صلاة العصر ، وبقي السؤال حائرا رغم اننى مؤيد لمبدأ ان العبرة ليست بمهنة فقيرة أو غيرها ما دامت لا تمس الشرف أو تجلب العار ، فليس شرطا ان يربي ابن الباشا شخصا صالحا ، وليس شرطا ان يربي ابن الجناينى شخصا عويلا ، فربما كان العكس .
 
تعد المساواة بين الناس على اختلاف الأجناس والألوان واللغات، مبدأ أصيلاً في الشرع الإسلامي، والتسوية بين البشر في المفهوم الإسلامي تعني التسوية بينهم في حقوق الكيان الإنساني ، وحينما تختلف أحوال الناس وأوضاعهم, وتختلف أزمنتهم وأمكنتهم، ويوجد التنوع في الأجناس والألوان واللغات، والغنى والفقر، والقوة والضعف، والعلم والجهل، ويختلف الموقع الاجتماعي والاقتصادي بين الناس، حينذاك تفرض المجتمعات معايير للتفاضل بين الناس، إزاء هذا التنوع والاختلاف.
 
ونعلم أن التقوى معيار الكرامة الإنسانية عند الله -عز وجل- ومع ذلك فهي معيار الصلاح في الدنيا، وهو معيار حقيقي وعملي؛ إذ إن صلاح الإنسان في دنياه يجعله أفضل لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه من غيره الذي لا يفيد نفسه ولا مجتمعه بشيء.
 
فالإسلام هو النظام الوحيد الذي سما بالإنسان وكرّمه، وأزال الفوارق في الحقوق، وفي المعاملات بين جميع أفراده.
 
فهل يمكن ان يتزوج على ابن الجانينى .. انجى بنت الباشا ” ، أم أن مجتمعاتنا الحالية المعاصرة “المتعجرفة” سترفض هذا ؟؟ .