أرقام.. الدكتورة سحر!

عباس الطرابيلي

خاص ــ صوت المال


 
بقلم: عباس الطرابيلي
 
 
 
 
 
قبل أى شىء أعترف بإمكانيات وقدرات وخبرة الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، إذ تمتلك رصيداً كبيراً من الخبرة منذ عملت فى المؤسسات والهيئات الاقتصادية الدولية.. وكانت - هناك - فى المقدمة.
 
ولكننى أقف طويلاً أمام الأرقام والإحصاءات التى أعلنتها الوزيرة عن ارتفاع إجمالى الاستثمارات المنفذة فى العام المالى الماضى، بنسبة 28٪ ومنها استثمارات القطاع الخاص التى زادت بنسبة 27٪ على الفترة السابقة.. وشدتنى كذلك أرقام الوزيرة - الأكثر نشاطا بين الكثير من الوزراء - عن مؤشر تأسيس الشركات الجديدة، واعتبرتها الوزيرة دليلا على تعافى الاقتصاد.. وتحسن مناخ مباشرة أو ممارسة الأعمال.. إذ ارتفع معدل تأسيس الشركات الجديدة بنسبة 110٪ ليصل إلى 15 ألفاً و200 شركة برأسمال تجاوز 25 مليار جنيه مقابل أقل من 12 مليارا فقط عام 2011-2012. هنا نقف لنسأل - ومن نفس الأرقام المعلنة: كم يا ترى رأس مال أى شركة - فى المتوسط - وهل يهمنا هنا فقط زيادة عدد الشركات.. أم حجمها وقدرتها على إضافة الجديد فى الاقتصاد القومى؟.. أقول ذلك لأن متوسط رأس مال شركة - من هذه الشركات - يدور حول مليونى جنيه. وهو رأس مال هزيل، يكفى بالكاد لفتح محل بقالة!.
 
والسؤال التالى: هل نتعامل - مع الاقتصاد - بسياسة العدد فى الليمون.. رغم أن أسعار الليمون - أيضاً - قفزت إلى السماء؟.. وماذا عن الشركات الكبرى المؤثرة التى «تضيف» للاقتصاد؟.. حتى وإن كان هذا الاتجاه يسير فى نفس السياسة الحالية لتدعيم المشروعات الصغيرة، أو الحرفية البسيطة.. ومع قناعتى بأهمية هذا الاتجاه، فإن ما يصمد - أمام الحروب الاقتصادية الحالية - هو فقط الشركات الكبرى التى توفر فرصاً عديدة للعمل أمام الشباب المتعطش.
 
وأقول إن هذه السياسة تعجز - حتى الآن - عن جذب ما هو متوفر فى أيدى الناس من أموال، إذ هؤلاء يفضلون إيداع أموالهم الآن فى وسائل الادخار عالية الفائدة.. دون أن يتحملوا أعباء الإدارة والتشغيل.. ومشاكل الضرائب بل مشاكل التأسيس والتعقيدات.. وعائدا - بما نجده الآن فى البنوك - أفضل ألف مرة من مشاكل إنشاء أى مشروع صغر، أم كبر!! وتخيلوا الدولة لو نجحت فى وضع نظام أفضل لإنشاء الشركات.. ولو شجعت حملة الأموال على تشغيل أموالهم فى البورصة.. كم ستقفز الأرقام الجديدة، وكم يربح الوطن كله؟. ذلك لأننى أرى التعقيدات التى تسير عليها إدارة الشركات أكبر معوق لأى تطوير لهذه الأعمال.
 
وكم أتمنى أن تبتعد الدكتورة سحر عن حكاية الأرقام.. فقد «كفر الناس» بكل وأى أرقام تعلنها الحكومة.. حتى ولو كانت أرقاماً صحيحة وصادقة.. ودعونا- يا معالى الوزيرة - لا نزدد كفرا بأرقام الحكومة.. خصوصاً أرقام الأموال لأننا نعلم أن رقم المليون لم يعد رقماً وربنا يرحم طلعت حرب الذى أنشأ شركات بنك مصر بحوالى 10 آلاف أو حتى 20 ألفا من الجنيهات لأن الجنيه الواحد لم يساو قرشاً.. ونفس القياس مع المليون جنيه.
 
■ ■ ويا سلام لو قالت لنا الوزيرة - النشيطة - بالفعل - إنها نجحت فى إقناع المستثمرين - أجانب ومصريين - بإنشاء شركات عملاقة.. كبيرة مثل تلك التى قامت عليها النهضات اليابانية والصينية والكورية.. وادرسوا تجارب طلعت حرب التى صنعت النهضة الاقتصادية المصرية منذ حوالى قرن من الزمان.
 
■ ■ وليس معنى ذلك أن نهمل دعم المشروعات الصغيرة.. بل يجب أن نمدها بالقروض والتسهيلات.. والإعفاء الضريبى لمدة 10 سنوات على الأقل.
 
■ ■ وكان أولى بالدولة - هنا - أن تحاول إنقاذ آلاف المصانع المتوقفة، والآلاف غيرها المهددة بالتوقف بدلاً من أن تتحدث عن إنشاء آلاف الشركات الجديدة.. رغم أننى أعلم أن هذه المهمة ليست مهمة الدكتورة سحر نصر، ولكننى أراها مهمة الحكومة كلها معاً بحكم جماعية المسؤولية الوزارية.
 
نقلا عن "المصرى اليوم"