يا دكتور تكلم.. قل كلمة يا ابن خلدون!

مفيد فوزي


مفيد فوزي 

الأستاذ الدكتور سعدالدين إبراهيم.. المعادى، القاهرة أو «الدوحة»، أنا من جيل لا يشتم مهما طفح به الكيل، وأتذكر دائماً مقولة للأستاذ هيكل يوم تعرض الدكتور البرادعى للهجوم الضارى على خلفية موقفه الشائع والشنيع. قال هيكل «لا تشتموا الرجل بل ناقشوه فى موقفه حتى لو خرج عن السياق»، طالبنا هيكل بأدب الحوار مع من نختلف معهم ويومها قلت إن البرادعى يملك شجاعة الهروب. أعرف جيداً ربما أكثر من غيرى امتلاكك لمؤهلات المحلل السياسى وراسم السياسات والتخطيط لصانع القرار والتعاون مع الأجهزة. أعرف أنك أستاذ اجتماع سياسى ويستعين بك الكونجرس والإدارات الأمريكية المتعاقبة فى كل العصور. أعرف أنك رجل أمريكا بامتياز فى الشرق الأوسط وإن لم تعلن هذا صراحة. أعرف أنك العرَّاب والمهندس لتكوين لوبى قطرى فى مصر.

أعرف أنك قطعت المسافة بين القاهرة والدوحة مئات المرات. وأفهم دورك فى محاولات شتى بالقلم تارة وبالاتصالات تارة، فى أمر لعله مرفوض شعبياً قبل الرفض الرسمى المؤكد وهو التصالح مع الدم، وبعبارة أخرى حسب التكليف الموجه لك «التصالح مع الإخوان». قلت وأفضت ولم تسمع سوى صدى صوتك. إننى أعلم صداقاتك «البرجماتية» مع قطر الرسمية ونحن بالمناسبة - كمصريين - لا نملك العداء للشعب القطرى فالشعوب لا تتخاصم ولكنها نظم الحكم. بل إن بعض الشعوب كالكويت غفرت وسامحت بعد غزوها عنوة وسرقة خيراتها من قبل العراق. إن صداقاتك بالأسرة الحاكمة فى قطر سحبت رصيداً من وطنيتك كمصرى يشرب من ماء النيل، ولست من ذلك النوع من أصحاب الأقلام الذى يهين أحداً من حكام قطر لأن الشتائم هى من فعل الصبيان والأمر أكبر بكثير من مجرد سباب. الأمر يتعلق بعقدة قطر من مصر.
 
ولا أخفى عليك أن غصة كانت فى حلقى يوم كان أستاذى وأستاذ جيلى هو محمد حسنين هيكل يظهر كل أسبوع على شاشة الجزيرة ويتفاخر بصداقته بحاكم قطر. كنت أطوى الصفحة وأبتلع الألم ولم يكن هناك مودة مع قطر الرسمية. وأنت لم ينقطع حبل المودة مع دوحتك، وهل صحيح - كما وصفت نفسك - «شخص مذبذب وهوائى ولكنى اجتهدت».
 
أعرف الكثير عن كتب وأبحاث ودراسات ومشاركات الدكتور سعدالدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسى، بل إنى سافرت إلى المغرب يوماً لأغطى مناسبة حلقات بحث اجتماعية علمية تشخص أمراض العالم العربى السياسية، وكنت واحداً من فرسان المنصة المعنيين بالدراسة واستمعت إلى ورقتك البحثية وأسرتنى. يومها قال لى واحد من الأساتذة المشاركين إنك كنت رئيس اتحاد الطلبة العرب فى أمريكا فى زمن عبدالناصر وكان مشهوراً عنك «أنك تكلم الأمريكان بلغتهم». وهذه ميزة يفتقدها أغلب السفراء الذين خدموا فى واشنطن. لعلك قد قرأت وسمعت عن «العناد القطرى الأسود» فى الموقف السياسى المتأزم. لعلك تتابع الزيارات المكوكية لشخصيات رسمية منها الخليجية ومنها الأوروبية تحاول تقريب وجهات النظر لتتخلى قطر عن عنادها وعن إيوائها لقادة إخوان وعن تمويلها للدم والخراب، ولا فائدة.
 
أحاول أن أقرأ كلمة لك فأجدك كطير «فرَّ وطار». أحاول أن أسمع صوتك كمصرى يحمل جواز سفر مصريا مجاورا لجوازات سفر أخرى. فلا أسمع حتى صوت الصمت الأخرس. يبدو أنك - يا عمنا - قد أدركت أن المسألة ليست مجرد زوبعة فى فنجان إنما هى صراع إرادات. يبدو أنك فرضت على نفسك الصمت حتى لا تخسر قطر. بيد أنه - بالحسابات البدائية - هذا موقف غير وطنى. صمتك وجوبياً لا يخدم إلا سعدالدين إبراهيم وحده. وأنا لا أطالبك فى هذا العمر بأن تقود مظاهرة ضد قطر تبدأ من المعادى وتحمل لافتات «لا لتمويل قطر للإرهاب» أو لافتة «ستدور الدوائر يا دوحة» لا أطالبك بمواقف عضلية تعبر بها عن 3 لتر دم فى جسدك ولكن تخيلت أنك ستكتب «كلمة من مخلص» تعبر بها عن استيائك من المضى فى عناد خاسر. لكن يبدو أن سعدالدين إبراهيم المثقف المصرى لا ينحاز إلا لمصلحة سعد الدين إبراهيم سواء كان مع الأمريكان أو القطريين أو العفاريت الزرق. وربما علمتك الأيام والأجهزة أن تتعامل مع الأمور بحس أمنى أكثر من الحس السياسى. ولأنك فهمت أن المعركة قد تطول فأنت حذر من أن تحسب على أحد. وربما قررت أن تكتب فى الكرة لتهرب من «الحساب» وتظل مصلحتك هى العليا وهى الاعتبار الأول والأخير «والله ما قصرت» يا شيخ.
 
يقول يوسف إدريس: المثقف نوعان، واحد يملك، يفهم فكر الفقر ويعالجه، وواحد عنده فقر الفكر وهو «كارت محروق» بلغة أجهزة المخابرات وربما يروق لى أن أعرف وقد كنت يوماً مهندس فكرة «المراجعات» داخل السجون، أما والدم أصبح أسلوب حياة، احترمت نفسك ولذت بالصمت. ماذا أنت فاعل يا ابن خلدون بعد الصمت ما طال؟ هل أنت رجل ظل أم رجل كواليس؟ هل يهمك ما يقوله التاريخ عنك؟. المسيحيون فى مصر بدأوا صيام العذراء وربما تصوم الأمريكية الفاضلة زوجتك وأنت - والقياس مع الفارق البعيد - قررت الصوم عن الكلام.
 
 
 
محافظ سوهاج الفاضل د. أيمن عبدالمنعم خاطبته بمداخلة على الهواء عبر برنامج المهذبة إيمان الحصرى، وكنت أنتقد سوء مياه الشرب «اللى فى لون الحبر» خصوصاً من الطلمبات الحبشية العتيقة فى محافظة تضم «مطار سوهاج». منتهى التناقض (!). كنت أمارس الإعلام فى جوهره وهو كشف المستور والمسكوت عنه. الإشارة إلى «غلابة» يشربون هذه المياه وتسكنهم أمراض الدنيا. ولكن المحافظ الذى أحترمه قال إن الذين يشربون هذه المياه يعيشون فى أرض مخالفة للقانون، فهل مطلوب تقنين المخالفات؟!.. واعتبرته رداً غير إنسانى وهدفه التجمل أمام رئيس الدولة، لأن الرئيس يطالب بمياه شرب نظيفة لكل مواطن على أرض المحروسة، المفاجأة أن المحافظ أيمن عبدالمنعم ظن أن مداخلتى التليفزيونية هى «كمين» لسيادته لقصد إحراجه.. عقلية محترمة ولكنها تظن أن الرغبة فى الإصلاح لصعيد مصر المنسى يشوبها رائحة تآمر!!.. كمين.. يا راجل؟.