أحداث المحلة وسياسات الأجور


عبد الفتاح الجبالي
 
على الرغم من عدم اتفاقنا التام مع ماجرى من أحداث فى شركة المحلة الكبرى خلال الفترة الماضية، فإننا نخشى أن يتم التعامل معها بنفس المنهج المطبق منذ سنوات، فهذه الاحداث ليست الاولى ولن تكون الاخيرة طالما استمر المنهج الحالى فى العلاج والذى يتناول العرض وليس المرض ـ فهذه الأحداث تتكرر سنويا مع اقرار الموازنة العامة، ومن ثم العلاوة الخاصة للعاملين بالجهاز الاداري، ومما زاد من تعقيد المشكلة القوانين التى صدرت أخيرا وأقرت علاوات خاصة للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية وغير المخاطبين به، هذا فضلا عن علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية الصادرة بالقانونين رقمى 78 و79 لسنة 2017 ـ وهنا مكمن المشكلة اذ إن جميع العاملين بالدولة سواء فى المحلة الكبرى اوغيرها من الشركات يعانون نفس المعاناة من التضخم وارتفاع الاسعار، وبالتالى يرون انهم يستحقون نفس المعاملة. 
 
ومن المفارقات ان القانون رقم 16 لسنة 2017 والذى قرر منح العاملين غير المخاطبين بالخدمة المدنية علاوة خاصة بما لايجاوز 10% من الاجر الاساسي، قد نص فى مادته الثالثة على منح هذه العلاوة للعاملين بشركات القطاع العام وقطاع الاعمال العام، بينما فى علاوة الغلاء الاستثنائية الصادرة بالقانون رقم 79 لسنة 2017 لم ينص على ذلك صراحة (وكانت هى الاولى بالنص وليس العكس نظرا لطبيعتها). 
 
مع الأخذ بالحسبان انه ومنذ تطبيق نظام العلاوات الخاصة فى عام 1987 ظلت تضع العاملين بالقطاع العام جنبا الى جنب مع العاملين بالدولة ،وذلك حتى عام 1992 حيث استبعد العاملين بهذا القطاع نتيجة لصدور القانون رقم 203 لسنة 1991. 
 
وأصبحت الأطر المؤسسية والقانونية المنظمة للأجور تختلف وفقا للكيانات والوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة ،والتى تتمثل فى وحدات القطاع العام الخاضعة لأحكام القانون 97 لسنة 1983 وعددها 47 وحدة منها 12 شركة تخضع لهيئة البترول، و7 شركات خاضعة لهيئة قناة السويس و12 شركة خاضعة للإنتاج الحربى ناهيك عن البنوك العامة الثلاثة وبنوك التنمية والائتمان الزراعى وشركتى المقاولون العرب، وصوت القاهرة للصوتيات والمرئيات ويعمل بهذه الكيانات نحو 227 الف عامل يحصلون على أجور نحو 29٫7 مليار جنيه. (مع ملاحظة ان العاملين فى بنوك القطاع العام 14% من اجمالى هذه المجموعة يحصلون علي24% من اجمالى أجورها، كذلك العاملون بشركات البترول (نحو 30%) يحصلون على 43% من الإجمالى المقابل فان المقاولون العرب التى يعمل بها 31% يحصلون على 14% . 
 
اما فيما يتعلق بالشركات الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991 وعددها ثمانى شركات قابضة يتبعها عدد من الشركات التابعة،ويعمل بها 225 الف عامل بلغت اجورهم نحو 14٫6 مليار جنيه مع ملاحظة الاختلالات الاجرية فيما بينهم اذ بينما يعمل بقطاع الغزل والنسيج نحو 60 الف عامل (نحو 26٫8% من اجمالى القطاع) لا يحصلون الا على 18٫4% من اجمالى الأجور بينما القابضة للتأمين والتى يعمل بها نحو 4٫7% يحصلون على 10% من الأجور وكذلك القابضة للكيماويات التى يعمل بها 14٫6% يحصلون على 21% من الاجور. 
 
هذا فضلا عن 13 شركة قابضة اخرى تتبع وزارات الدولة المختلفة ويعمل به نحو 389 الفا، مثل القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين، والقابضة لمصر للطيران ،والقابضة للمطارات والملاحة الجوية والخاضعة لوزير الطيران المدني، والمستحضرات الحيوية واللقاح الخاضعة لوزير الصحة، يضاف الى ما سبق الشركات الخاضعة لقانون 159 لسنة 1981 وهى القابضة للكهرباء والمصرية للاتصالات التى تملك الدولة فيها (80%). 
 
وجدير بالذكر ان فاتورة الأجور بالموازنة العامة بلغت 239٫9 مليار جنيه، مع الأخذ بالحسبان أنها لا تشمل الجهات ذات البند الواحد التى تحصل على موازناتها فى الباب الخامس، يضاف الى ما سبق الهيئات الاقتصادية التى يعمل بها نحو 457 ألفا يحصلون على أجور وصلت الى 25٫9 مليار جنيه. 
 
وعلى الرغم من الاختلالات السابقة فإن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا حيث يخضع بعض العاملين بأجهزة الدولة (الجهاز الادارى والهيئات الخدمية والمحليات) لقانون الخدمة المدنية وعددهم 2٫5 مليون موظف بنسبة 47% من الإجمالي، والبعض غير مخاطب بالخدمة المدنية وعددهم 2.9 مليون (بنسبة 53% من الاجمالي) . 
 
وهنا تظهر اولى المشكلات حيث غير قانون الخدمة المدنية من نظام الأجور تغييرا جذريا ليصبح الحديث هنا عن الأجر الوظيفى والذى يساوى الأجر الأساسى للموظف فى 30/6/2015 متضمنا العلاوات الخاصة المضمومة وغير المضمومة، والعلاوة الاجتماعية الموحدة والإضافية ومنحة عيد العمال وعلاوة الحد الأدنى وما يعادل نسبة 100% من الأجر الأساسى فى 30/6/2015.والعاملون وفقا لهذا القانون يحصلون على علاوة دورية 7% من الاجر الوظيفي، بينما يحصل غير المخاطبين على علاوة دورية لاتزيد على 6٫5 جنيه شهري. ومما زاد من تعقيد المشكلة مانصت عليه المادة الخامسة من القانون رقم 16 لسنة 2017 والتى بمقتضاها تم تحويل الحوافز والبدلات والمكافآت وغيرها من بنود الأجر المتغير الى فئات مالية مقطوعة ليست نسبا من الأجر الأساسي، كما كان متبعا من قبل. ومع تسليمنا الكامل بعدالة هذا التوجه تماما الا ان المشكلة تكمن فى ان هذه الجهات لم تضع حتى الآن سياستها للأجر المكمل ومن ثم اصبحوا لا يحصلون الا على هذه العلاوة الضئيلة للغاية. 
 
وهنا أيضا تبرز مشكلة المعاملة الضريبية لكل منهما اذ انه وبمقتضى الخدمة المدنية تم ضم كل من العلاوات الاجتماعية والعلاوات الخاصة والبدلات المعفاة بقوانين خاصة.. إلخ. الى الاجر الوظيفى وبالتالى الغاء الاعفاء الذى كانت تتمتع به وأصبحت ضمن الوعاء الضريبي، وهنا نلحظ ان العلاوات الخاصة تشكل نحو 345% من الراتب الاساسى فى نهاية يونيو 2013، كانت معفاة من الضرائب، قبل ان يتم إلغاء هذا الاعفاء فى العلاوات التى قررت بعد ذلك التاريخ، وبعبارة اخرى فان هؤلاء بمقتضى هذا القانون يدفعون ضرائب اكثر من زملائهم غير الخاضعين. 
 
ويرتبط بهذه المسألة مشكلة تطبيق الحد الاقصى للدخول، وذلك بعد صدور العديد من الفتاوى الخاصة بعدم اخضاع بعض الفئات للقانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الاقصى للدخول، حيث أصدرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فتواها بعدم خضوع العاملين بشركات قطاع الاعمال العام، وكذلك رؤساء وأعضاء مجالس ادارته لهذا القانون، استنادا الى المادة 27 من الدستور والتى نصت صراحة على ان الحد الأقصى للدخول ينطبق على العاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، وهى أجهزة السلطة التنفيذية ،ولا يجوز امتداده لغيرها من هنا جاءت فتاوى سابقة تستبعد الشركة المصرية للاتصالات والمقاولون العرب وبعض البنوك وغيرهم، هذا بينما أفتت بخضوع السكك الحديدية لانها تدخل فى عموم أجهزة الدولة التى يعد العاملون بها من المخاطبين بالقانون. وهذه الأوضاع أدت إلى اختلالات عديدة فى توزيع الأجور بالجهاز الحكومى ككل، نتيجة لأوضاع قانونية، ولا علاقة لها بالإنتاجية، وهى جوهر المشكلة.. 

نقلا عن "الاهرام "