ماذا نريد من مجموعة الـ«بريكس»؟


بقلم: خليفة أدهم

لا شك أن مشاركة مصر فى قمة مجموعة بريكس، التى عقدت الاسبوع الماضى فى مدينة شيامين بالصين، بدعوة من الرئيس الصينى شين جين بنج، تكتسب أهمية، حيث أتاحت للرئيس عبدالفتاح السيسى، استعراض التطورات الايجابية فى الاقتصاد المصرى ،حيث أكد الرئيس عزم الشعب المصرى على الاستمرار فى مسيرة الاصلاح الاقتصادى ومواجهة التحديات الاقتصادية بكل جدية ودأب، من اجل تحقيق النمو المستدام وتهيئة مناخ الاستثمار والاعمال لاستقطاب الاستثمار الاجنبى ولا سيما تلك الاستثمارات المصحوبة بالتكنولوجيا المتطورة ونظم الادارة الحديثة.

كما استعرض الرئيس الإجراءات التى اتخذتها مصر فى سبيل تطوير بيئة الأعمال وجذب الاستثمار، على مستوى التشريعات وسرعة إصدار التراخيص والموافقة على المشروعات، وتخصيص الاراضى وتفادى المنازعات الاستثمارية، وهذه رسالة مهمة لدوائر الاستثمار والاعمال فى دول المجموعة، التى بلغت استثماراتها ما يقرب من 200 مليار دولار فى 2016.
اجتماع الرئيس السيسى مع كبريات الشركات الصينية ،على هامش مشاركته فى قمة البريكس، أتاح فرصة أخرى للحوار والرد على استفسارات رؤساء تلك الشركات، والتعرف إلى آرائهم فى مناخ الاستثمار بمصر من جانب الرئيس مباشرة وبوجود عدد من وزراء المجموعة الاقتصادية.

استعرض الرئيس فرص الاستثمار فى القطاعات الواعدة، بمنطقة قناة السويس، التى توجد بها منطقة صينية، والاستثمارات الصينية بهذه المنطقة لا تزال بعيدة عن المأمول رغم التطور الكبير فى مستوى العلاقات بين البلدين، ولا سيما بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية خلال اول زيارة للرئيس السيسى إلى بكين فى ديسمبر 2014.

حجم الاستثمارات الصينية بمصر لا يتجاوز 600 مليون دولار فقط، ولا يناسب القفزة الهائلة فى حجم التبادل التجارى بين البلدين حيث ارتفع من 5 مليارات دولار فى 2010 إلى 11 مليار دولار فى 2016، ويواجه خللا كبيرا لصالح الصين، ربما كان السبب وراء عدم ارتفاع الاستثمارات الصينية إلى مصر خلال السنوات الماضية يرجع إلى العقبات وبيئة الاستثمار غير المحفزة، ولكن الوضع الآن أصبح أكثر جاذبية، وهو ما يرشح ارتفاع حجم تلك الاستثمارات خلال الفترة المقبلة، ولا سيما مع اتجاه بعض الصناعات الصينية إلى الانتقال إلى دول اخرى، وهو ما يجعل السوق المصرية اكثر ملاءمة حيث يتيح لها النفاذ إلى الاسواق العربية والافريقية والأوروبية بفضل الاتفاقات التفضيلية لمصر مع تجمعات الكوميسا والسادك وشرق افريقيا والتجارة العربية، والشراكة الأوروبية.

مجموعة دول البريكس تسهم بنصيب مؤثر وفعال فى دفع الاقتصاد العالمى؛ إذ تسهم بنحو 50% فى دفع النمو الاقتصادى العالمى، وظهر دورها بوضوح خلال الازمة المالية العالمية فى 2007، إذ قامت بالدور الرئيسى فى نمو الاقتصاد العالمى طوال 6 سنوات، بفضل ارتفاع معدلات النمو لديها، ما أطلق عليها وقتها الدول الاسرع نموا، إذ حققت الصين أعلى معدل نمو وكذلك روسيا، ما ساعد فى ارتفاع الطلب على المواد الخام فى البرازيل والهند وجنوب افريقيا التى اعتمدت على جانب من النمو لديها على تصدير المواد الخام، كما أن دول المجموعة الخمس تستحوذ على ما يزيد على خمس حركة التجارة العالمية تصديرا واستيرادا، الصين هى اكبر الدول المصدرة وثانى اكبر المستوردة، كما انها من الدول التى تمتلك قاعدة صناعية ضخمة وتكنولوجيا متطورة.
 
الهند تسير بسرعة كبيرة ضمن قائمة الدول الاقتصادية الكبرى، فهى الدولة الاعلى نموا اقتصاديا حاليا، ما دعا الاقتصادى العالمى محمد العريان أن يتوقع -أمام مؤتمر اقتصادى بالامارات منذ عامين- أن يحل الفيل الهندى محل التنين الصينى خلال سنوات فى معدلات النمو الاعلى، مستندا إلى مزايا عديدة ترجح النموذج الهندى فى التنوع والتعددية السياسية، والديمقراطية، والارتكاز على تكنولوجيا المعلومات والتصنيع، ما تحتاجه مصر من مجموعة البريكس هو الاستفادة من تجربة كل دولة منها فى مجال التنمية الاقتصادية وتطوير القاعدة الصناعية، وتوطين التكنولوجيا المتطورة، واستقطاب نظم الادارة الحديثة.
 
بإيجاز نحتاج أن نستفيد من تجارب دول بريكس وفى مقدمتها الصين فى بناء قاعدة صناعية ينطلق منها الانتاج من اجل التصدير بالأساس، وهو ما يعنى كفاءة وتنافسية المنتج، حتى يمكنه النفاذ للاسواق العالمية، وهو ما عبر عنه الرئيس السيسى فى كلمته امام القمة فى الاشارة إلى استفادة مصر فى تصميم برنامجها للإصلاح الاقتصادى من تجارب دول مجموعة البريكس، سواء تجربة البرازيل فى مواجهة التضخم بزيادة الإنتاج، أو الصين فى التصدير وجذب الاستثمارات.
 
متى تنضم مصر إلى مجموعة الدول الأسرع نموا؟ فى رأيى هذا ما يجب أن يشغلنا بدلا من الحديث عن انضمام مصر إلى مجموعة البريكس، الذى شغل الكثيرين من المتابعين لمشاركة مصر فى قمة البريكس، ونحن نمتلك المقومات ولا تنقصنا الامكانات، فقط نحتاج إلى تخطيط سليم قائم على أسس علمية، وكفاءة الادارة، وانتهاج سياسات اقتصادية تحفز الاستثمار وتسهم فى رفع التنافسية، فالفساد البيروقراطى والروتين هو العائق الأكبر بل هو طارد للاستثمار؛ حيث يرفع التكلفة ويقضى على التنافسية.
 
مصر فى طريقها لاستعادة مكانتها على خريطة الاستثمار العالمى، اتخذت إجراءات مهمة فى هذا المجال أسفرت عن نتائج مهمة فى فترة قصيرة، لعل ابرزها تحقيق معدل نمو جيد بلغ 4.3 % العام الماضى، كما ارتفع حجم الاستثمار الاجنبى المباشر بنحو 26%، إلى جانب استقرار سوق الصرف والقضاء على السوق السوداء للعملة، مع تحسن نسبة العجز فى الموازنة العامة.
 
ولكن ما زلنا نحتاج إلى المزيد وإلى استكمال الإصلاح الهيكلى الاقتصادى، ولا سيما ما يتعلق بالتعليم والتدريب لرفع كفاءة الموارد البشرية وتأهيلها، ولا سيما العمالة الفنية، لرفع كفاءتها ومعدلات إنتاجيتها. نحتاج إلى تطوير قانون العمل ليتكامل مع قانون الخدمة المدنية، ويحقق أهدافه فى تطوير بيئة الأعمال. 

منقول من الأهرام الاقتصادي