والله هاتندم أشد الندم !


 
اسلام حامد 
 
مجموعة من الصور الجميلة فى معناها وقيمتها نشرتها احدى الصفحات على الفيس بوك لحفل ترفيهى اقامته احدى دور العبادة للمرضي وكبار السن فى مدينة سمالوط بمحافظة المنيا ، ومن فرط الفرحة والبهجة والسعادة على وجوه المشاركين فى الحفل من أمهات وآباء وشباب من المرضي تشعر انه ربما تشفى أوجاعهم وآلامهم البدنية بل والنفسية من روعة يوم كهذا ضحكوا فيه من قلوبهم مثل أطفال يتنزهون لا يعيرون الدنيا أدنى اهتمام ولا يفكرون بمرض أو تقدم فى العمر .
 
كانت أمى رحمها الله مريضة بمرض السكر المزمن الذى لازمها ما يقرب من 45 عاما ودخلت بسببه فى مشاكل صحية كثيرة بل وصعبة للغاية ، ومع ذلك كان عشقها الابدى نوعا معينا من البسكويت "المسكر" جدا تأكله خلسة دون علمنا ، حتى لا نعنفها بسبب المرض ، وكانت رغم قلة وزنها وعدم شراهتها فى الطعام تشترى أكثر من باكو وتخفيه عنا تماما مخافة ان نمنعه عنها يوما ما أو ان لا تجده يوما ما فى السوق . 
 
كانت قناعة امى انه طالما الانسولين موجود فلا ضرر مطلقا من البسكويت رغم ان طبيعة طعامها العادى كانت خفيفة جدا بل ربما لا تأكل أحيانا ، وعرفت بالامر انا واخوتى وابي واحببنا ان نتعامل معه بنوع من الذكاء حتى لا تصاب نفسيتها فى مقتل لو تعاملنا مع هذا الموقف بنوع من الغباء والعنترية . 
 
اتفقنا على التقنين اتفاق "جنتلمان" بمقدار معين من البسكويت لا يضرها ، بهدوء واقناع دون صخب أو صراخ أو ضجيج فلم نشعرها بنوع من التحكم فيها بل نحن ومهما كبرنا واصبحنا اشداء اطفالك الصغار يا أمى لك الحق المطلق فى ان تدوسي رقابنا ولن نشكو أو نتألم . 
 
قصص ادخال البهجة والسرور على كبار السن كثيرة وقصص البر بالاباء والامهات اكثر وايضا قصص العقوق ما اكثرها ، ولكننا حقيقة لم نكن نبر أمهاتنا وآبائنا بقدر ما كنا نبر أنفسنا وندخر اموالا ربما سيكون لها نفعا فى الغد القريب عندما نأخذ ادوارنا فى الحياة ونحل محلهم وينظر إلينا أبناؤنا على اننا "الحاج" و"الحاجة" "البركة" . 
 
هذه الاموال التى ادخرناها او نزعم اننا ادخرناها الى يوم الوقت المعلوم هى دعاء الوالدين وهذا الكم الجارف من الحنان البالغ ، الذى كنت اجده لدى أمى عندما تكيل الدنيا الضربات او اجد قلقا من اى نوع وأجد صيدلية أمى وترياقها الوحيد "الحنان" هى التى تشد الظهر وتصلب العود وترفع الرأس التى كنت احنيها على قدميها وهى تعبث فى شعرى كى أخلد الى النوم .
 
استدعى كل هذا وانا انظر الى نفسي والى ما انتظره من اولادى ان قدر الله لى ولهم العمر حتى أكون فى موضع الكبر والشيخوخة واحتاج الى كلمة طيبة ومعاملة "خاصة جدا" ونظرة عطف ولين ورحمة منهم تشعرنى ان تجارتى واستثمارى فيهم  لم تذهب  سدي وانهم سيكونون لى السند والعون والامان النفسي . 
 
لولا اباؤكم وامهاتكم ما كانت اشياء كثيرة فى حياتكم لن نعدها او نحصيها وان احببنا هذا فسيعجز القلم عن الوفاء بالدين .
 
لا ادعى حكمة او تفضلا ولكن من مجرب فقد والديه وفقد معهما احساس الامان والحماية وكل الاشياء الجميلة ، استمتع بأمك وابيك وهم فى حياتك حتى لو كانا يعنفانك أو يتصرفان بشكل لا ترغبه او ، او ، او ، او ، فكل الاشياء التى تسيئ لهما فيها ستكون كابوسا جاثما على انفاسك ما حييت ، وليس شرطا ان يعاملك أولادك هكذا ـ وهو ايضا جزء من رد الدين ـ ولكن شعور الندم قاتل وسيداهمك مع كل مشكلة تواجهك فى حياتك لانك وقتها لن تجد من تذهب اليه شاكيا حالك ويستمع اليك باهتمام بالغ بل ويساعدك ويمد لك يده سوى " امك وابيك" . 
 
الندم على أى لحظة مسيئة لهما مهينة لكرامتهما ، ستجعلك ربما تلطم وجهك وتبصق على ذاتك تعنيفا وتحقيرا من نفسك ودعاء الى الله ان تذهب الى جوارهما أو يعودا الى الحياة من أجل ان تمحو هذه الاقذار التى ارتكبتها فى حقهما وتبدأ صفحة جديدة من الحب والبر واللطف والرفق بهما. 
 
بدأوا اطفالا ثم شبابا ثم اشداء ثم عادوا اطفالا مرة اخرى ، فهلا كنا رحماء بهم ونستوعب سويا انهم يعيشون فى زمن غير زمنهم وسجلهم كله متعلق بالماضي . 
 
بسم الله الرحمن الرحيم 
" وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " .