المؤتمر الأول عن «تشغيل الشباب في شمال أفريقيا»‎

ليندا شهبور


تستضيف منظمة العمل الدولية، خلال يومي 26 و 27 سبتمبر الجاري، مؤتمرًا رفيع المستوى عن الشباب والتشغيل في شمال أفريقيا، في مقرها في جنيف. وسوف يجمع المؤتمر تحت مظلته ممثلين من الحكومات ومن منظمات أصحاب العمل والمنظمات العمالية من مصر والجزائر وموريتانيا والمغرب والسودان وتونس، فضلا عن شركاء التنمية للاتفاق على "خارطة طريق لتشغيل الشباب في شمال أفريقيا" على مدار الخمس سنوات المقبلة.
 
 وقد قامت منظمة العمل الدولية في إطار  إعدادها للمؤتمر بتكليف باحثون بإعداد تقرير معلومات أساسية لتقييم تحديات ظروف سوق العمل التي تواجه الشباب في شمال أفريقيا. وتلخص هذه المذكرة بإيجاز النتائج التي توصل التقرير إليها.      
 
كانت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها شمال أفريقيا في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة تعبيرًا من السكان الشباب يطالبون من خلاله بالمزيد من الحرية والعدالة والوظائف. وتضاعف عدم الاستقرار الذي تلاها في بعض البلدان الضغط النازل من الاقتصاد العالمي، ما أدى إلى زيادة حدة التحديات التي يواجهها الشباب في تأمين "العمل اللائق" في المنطقة. 
وعانى الشباب للعثور على عمل منتج ومقدم بدخل عادل، ويوفر الأمان في مكان العمل والحماية الاجتماعية للأسر، ويشمل مستقبل أفضل للتنمية الشخصية ويحقق الدمج الاجتماعي وإلى غير ذلك. واعترفت الحكومات في جميع بلدان شمال أفريقيا بهذه التحديات فجعلت النهوض بالتشغيل محور برامجها الاجتماعية والاقتصادية مجددا. وحشدت الحكومات تمويلا عموميًا جديدا واعتمدت إصلاحات مهمة. ومع ذلك، لا تزال تواجه تحديات كبيرة. 
 
لقد زادت معدلات البطالة بين الشباب في شمال أفريقيا في الوقت الحاضر عن مستوياتها في عام 2011بخمس نقاط. وتنعكس هذه الصعوبات الاقتصادية التي تحملها الشباب أيضا على انخفاض معدلات النشاط الاقتصادي (أي تخلي الشباب عن انضمامهم إلى سوق العمل أو تأجيله)، ما يزيد من عدم الاستقرار والطابع غير الرسمي. وفي الوقت الحاضر ثلث الشباب النشط هو العاطل عن العمل، بينما يعاني الثلث الآخر من البطالة الجزئية أو العمل في وظائف غير مستقرة، إذ تتسم الوظائف التي تستحدث بأنها غير رسمية وفي أنشطة ذات قيمة مضافة متدنية. وتواصل معدلات مشاركة الشابات في النشاط الاقتصادي بقاءها في أدنى مستوياتها في العالم، قرابة ثلث مشاركة الذكور. ولا تستحدث حتى الوظائف الكافية لضمان انضمام الشباب إلى القوى العاملة. 
 
وفيما يلي بعض النتائج الأساسية التي توصل إليها تقرير المعلومات الأساسية:

لا تزال شمال أفريقيا متأثرة بالمستويات غير المستدامة لبطالة الشباب والمشاركة الاقتصادية المتدنية. وفي حين استردت معظم البلدان في المنطقة نموها الاقتصادي منذ 2014-2015، فإن استحداث الوظائف لا يزال متعثرا. والكثافة المتدنية للتشغيل في شمال أفريقيا ليست بظاهرة جديدة، ولن تتمكن السياسات الموجهة "فقط" إلى زيادة النمو على الأرجح من إحراز مستوى من استحداث الوظائف يتوافق مع الضغوط الديمغرافية. وتتسم بلدان المنطقة بتسارع معدلات النمو السكاني، ولكن سوف يصعب على الحكومات استغلال هذا "العائد الديموغرافي" إن لم يتم استحداث الوظائف التي تتيح الفرصة للعمال الشباب لدعم الأعداد المتزايدة من كبار السن. 
 
نوعية الوظائف مهمة بدورها بقدر أهمية توافر هذه الوظائف. تظل البطالة الجزئية والطابع غير الرسمي والوظائف غير المستقرة واقع لأغلبية متزايدة من القوة العاملة الشابة. فتطول الصفوف بأعداد كبيرة من الشباب في انتظار وظائف القطاع العام (ما يزيد الوضع حيرة)، الذين لديهم الاستعداد للتخلي عن الرواتب الأعلى في العمل الخاص في نظير درجة أفضل من الأمان وظروف عمل أفضل بإمكانهم أن يصلوا إليها في وظائف القطاع العام. ويتركز الشباب في وظائف متدنية الإنتاجية عبر أنحاء المنطقة. 
 
يتأثر الشباب بدرجة أكبر مقارنة بالفئات العمرية الأخرى بالقصور في تطبيق المعايير الوطنية والدولية على سوق العمل. والشباب هم الأكثر عرضة للممارسات غير العادلة بل وغير المقبولة في بعض الأحيان التي يشهدها سوق العمل. فلا غنى عن التشريعات الوطنية التي تواكب واقع الاقتصادات الحديثة والمتسقة مع المعايير الدولية وأفضل الممارسات والتي تنص على سلطات التفتيش والإنفاذ وكذلك على المفاوضة الجماعية والحوار الاجتماعي حتى تتمكن البلدان من تحسين حياة شبابها في العمل. 
 
عدم التوافق بين التعليم العام والفني والمهني والتدريب من ناحية واحتياجات الاقتصادات الحالية والمستقبلية في شمال أفريقيا. أحرز تقدم كبير في المنطقة في زيادة الالتحاق بالتعليم بما في ذلك معدلات التحاق الإناث. ومع ذلك تتسم الأسواق في المنطقة باستمرار بمعدلات البطالة العالية بين الشباب المتعلم. ويرجع هذا إلى عدم قدرة الشركات على تطوير هذه المناصب (أو تطويرها فيما ندر)، أو بسبب وجود عدم توافق بين المهارات التي يحصلها الشباب صاحب التعليم العالي وتلك التي تبحث الشركات عن توافرها. وبالإضافة إلى ذلك تظل معدلات البطالة وعدم النشاط الاقتصادي بين الشابات مرتفعة للغاية على الرغم من تحصيلهن مستويات عالية من التعليم. 
 
وجود أوجه تباين ملحوظة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية. على هذا تظل الاقتصادات الريفية مهمة للأوضاع العامة للنمو الاقتصادي والعمالة في تلك البلدان. حيث يعيش ما لا يقل عن ثلث السكان (بل أكثر عادة) ويعملون في هذه المناطق. وتتجزأ الاقتصادات الريفية حسب النوع الاجتماعي، أي أنها تؤثر على النساء والرجال بأشكال مختلفة. حيث تعمل النساء في الأغلب لحسابهن الخاص في مجال الزراعة بينما يعمل الرجال في الريف في الأغلب أُجراء في أعمال خلاف الزراعة.

وتحصل النساء على الأرجح على أجور أدنى من أجور الرجال بدرجة ملحوظة، ويشكل عمل النساء في عمل غير مدفوع الأجر في منشآت زراعية مملوكة للأسرة نسبة كبيرة من العمل غير الرسمي الذي تنضم إليه النساء. وبالإضافة إلى ذلك فإن العمل في الاقتصادات الريفية عادة ينطوي على عدد ساعات طويلة ولا يقابله أجر كافٍ. 
 
ويستلزم التعامل مع تحدي سياسات تشغيل الشباب وضع استراتيجية منسقة. وقد جمعت منظمة العمل الدولية (وغيرها من المنظمات) أدلة كثيرة عن الإجراءات الناجحة عالميا وفي شمال أفريقيا، تمكن البلدان من إنجاز التشغيل الكامل للشباب. وباعتماد "خارطة الطريق لتشغيل الشباب في شمال أفريقيا" من المقرر أن تبني الحكومات ومنظمات أصحاب العمل والمنظمات العمالية وغيرهم من أصحاب المصلحة الآخرين في شمال أفريقيا وشركاء التنمية على هذه الأدلة والبراهين ومن ثم يتمكنون من وضع استراتيجية لتنفيذها.