الانفتاح مطلب وقرار وطنى

خاص ــ صوت المال


السفير جمال بيومي

يندهش البعض من حقيقة أن الرئيس جمال عبدالناصر هو الذى كان وراء قرار انفتاح مصر على المجتمع العالمى عندما قرر سنة 1968 أن تنضم مصر إلى الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات GATT، بل إنه كان وراء مقدمات عملية السلام عندما قبل فى سنة 1969 مبادرة وزير الخارجية الأمريكى «وليام روجرز» للسلام، التى تعد الأساس الذى قامت عليه لاحقا اتفاقيات ومباحثات السلام فى الشرق الأوسط.
 
وربما تزداد دهشة البعض لو عرفوا أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا من أشد معارضى انضمام مصر للجات.
كانت أوضاع العالم بعد الحرب العالمية الثانية قد أسفرت عن توافق لتأسيس نظام عالمى جديد، فاجتمعت 44 دولة فى بريتون وودز بالولايات المتحدة 1944 وأسست نظام الأمم المتحدة، الذى شمل فى شقه الاقتصادى مؤسستى صندوق النقد الدولى IMF والبنك الدولى للإنشاء والتعمير IBRD. 
 
وعقدت لاحقا فى سنة 1947 الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات GATT التى تحولت إلى منظمة للتجارة العالمية WTO فى عام 1995. لتكمل المنظومة العالمية، ولتنساب التجارة الدولية بصورة تستهدف تحقيق التوازن بين مصالح أطراف المجتمع الدولى، وتخلق من تلك المصالح ما يجعل النزاعات والحروب أمرا لا مبرر له، وتقدم بديلا فى شكل المشاركة فى المكاسب واقتسام الفرص وتجنب التحديات، وبعث الأمل فى إمكانية النمو لدى الشعوب التى تتطلع لمستويات معيشة أفضل.
 
وفى أبريل 1994 وقعت فى مراكش 111 دولة شاركت فى جولة أورجواى للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف على الوثيقة الختامية للمفاوضات التجارية، وتضمنت الموضوعات المتعلقة بالجمارك والحواجز غير الجمركية. كما شملت موضوعات التجارة فى السلع الزراعية، والمنسوجات، وإسقاط نظام الحصص، وتجارة الخدمات، وموضوعات الاستثمار، وحماية الملكية الفكرية. وتميزت بإنشاء آلية لتسوية المنازعات.

وتقوم منظمة التجارة العالمية على أساس قواعد أربعة:

الأولى : حماية الإنتاج المحلى بالرسوم فقط: وتعنى استخدام الرسوم الجمركية ــ فقط ــ كوسيلة للحماية وعدم استخدام نظام الحصص أو حظر الاستيراد إلا كاستثناء. 
 
الثانية: تثبيت الرسوم الجمركية وعدم زيادتها: حيث تلتزم الدول الأعضاء بجداولها الجمركية؛ وتتعهد بعدم إضافه قيود إليها. 
 
الثالثة: شرط الدولة الأولى بالرعاية: للقضاء على التمييز فى التجارة. ويعتبر هذا المبدأ العمود الفقرى لمنظمة التجارة
العالمية؛ حيث تتحقق المساواة بين الدول فى المعاملات التجارية. فإذا قدمت دولة أية ميزة جمركية لأية دولة أخرى، تمتد تلك الميزة تلقائيا إلى كل بلدان المنظمة. ويستثنى من هذه القاعدة ما جاء بالمادة 24 من الاتفاقية حول حالات من أهمها:
 
> المزايا التفضيلية المقدمة لصالح الدول النامية والأقل نموا من طرف واحد. 
> التفضيلات التجارية التى تستفيد منها الدول النامية أساسا.
> المزايا المتبادلة بين الدول أعضاء التجمعات الإقليمية فى مناطق التجارة الحرة والاتحادات الجمركية والأسواق المشتركة. 

الرابعة: المعاملة الوطنية: وتعنى عدم التمييز فى المعاملة فى السوق الداخلية للدول بين الواردات الأجنبية وبين المنتجات المحلية، بحيث لا تفرض أى رسوم داخلية على الواردات الأجنبية أعلى من تلك المطبقة على المنتجات المحلية.
 
فى ظل هذا النظام الدولى المتعدد الأطراف الذى يقوم على مبادئ المساواة والمعاملة التفضيلية والدولة الأولى بالرعاية بدأت مجموعات من الدول فى تشكيل تجمعات إقليمية تقوم على تبادل مزايا تتخطى ما تتبادله فى الإطار العالمى، فتلغى الرسوم والعوائق الجمركية وغير الجمركية تماما. ولكى تتلافى تطبيق شرط الدولة الأولى بالرعاية، فقد لجأت لإنشاء منطقة للتجارة الحرة أو الاتحادات الجمركية والأسواق المشتركة؛ لكى تقصر تلك المزايا على أعضائها.
 
وفى هذا الإطار الإقليمى نشأت السوق الأوربية المشتركة 1957، ومنطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية NAFTA 1993 والسوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا COMESA، ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى 1997، وغيرها. فاتجهت مصر للانفتاح على تلك التجمعات ووصلت للانفتاح التام وإلغاء الحواجز مع دول كوميسا فى نوفمبر سنة 2000 ومع المنطقة العربية فى يناير 2005، والمشاركة الأوربية التى استكملت كل مراحلها سنة 2016 وتستكملها تجارة السيارات سنة 2019. ويعنى هذا ما أكده الرئيس عدة مرات مؤخرا من أن سوق مصر لم تعد سوق 93 مليونا؛ لأنها سوق منفتحة دون أى عوائق على بلدان يبلغ تعداد سكانها 1300 مليون نسمة. وأصبح من ينتج فى مصر من حقه التصدير لهذه الأسواق دون أى رسوم أوعوائق. 
 
فى هذا الإطار يأتى سعى مصر لتوسيع وانفتاح سوقها على أسواق باقى الشركاء التجاريين، وصارت تسعى لعقد اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وتبحث فرص قيام علاقة لتحرير التجارة مع دول BRICS، ومن هنا يتضح أن صالحنا فى الاقتراب من هذا التجمع على أساس:
  > مواصلة تحرير التجارة وجذب الاستثمار كسياسة عامة
 > نجاح الاتفاق العربى حيث أصبح العرب يمثلون %20 من تجارة مصر، واتفاق المشاركة الأوروبية فارتفعت صادراتنا من 3 مليارات سنة 2003 الى  13 مليار سنة 2010. وبالأسباب نفسها تضاعفت تجارتنا مع الكوميسا 3 مرات. 
  روسيا كانت سوقنا الأكبر حتى سنة 1974 ونسعى لاسترداد وجودنا فى هذا السوق. 
 
> والصين أكبر مصدر وثانى أكبر مستورد فى العالم وأكبر جاذب للاستثمار فى العالم. وتقول المؤشرات ان اقتصاد الصين يتعافى. ومن مظاهر ذلك إعلان الصين عزمها على شراء 7000 طائرة ركاب كبيرة خلال السنوات العشر القادمة.
> والهند كانت مرتبطة معنا ومع يوغوسلافيا بالاتفاق الثلاثى ولنا فى هذا تجربة.
 
> والبرازيل كانت أكبر مصدر للحوم إلينا الى وقت قريب، بل وطائرات التدريب التورنادو، وسوقها يتطلع لمنتجاتنا النسجية.
> وجنوب إفريقيا هى الشريك الإفريقى الأكبر والأقرب لحجم اقتصاد مصر، ونحن نحلم بطريق أوتوستراد القاهرة / الكاب عبر القارة الإفريقية، ويمكن تحقيق هذا كله والاستفادة منه.
 
يدفعنا هذا الإنجاز الوطنى إلى أن نطالب بدعم مسيرة الانفتاح الخارجى، واتخاذ قرار وطنى بهذا الاختيار. فمصر التى بلغ سكانها 93 مليونا تحتاج لاستثمار 30% من ناتجها القومى لكى نلحق بالزيادة السكانية المتصاعدة ونحسن مستقبلها. بينما لا تزيد مدخراتنا حاليا على 14% من الناتج؛ ولهذا نحن بحاجة للقطاع الخارجى (مصرى فى الخارج أو عربى أو أجنبى) لسد هذه الفجوة. فعندما بلغ الاستثمار الأجنبى فى ألمانيا 130 مليار دولار سنة 2003 دعتنا إلى مؤتمر فى ميونيخ فى فبراير 2004 وطُلب منى أن أتحدث فى موضوع: «كيف تجذب ألمانيا المستثمرين العرب؟».
 
قرارنا الوطنى بالانفتاح التجارى وجذب الاستثمار الأجنبى، يتطلب جهودا فى الداخل يقع عبؤها الأكبر على قطاعات التجارة والصناعة والاستثمار، ويتطلب لغة إعلامية تجذب المستثمر ولا تخوفه أو تخونه، فنادرا ما نرى عملا فنيا يبرز رواد نهضة مصر الاقتصادية، ويرسم الإعلام صورة منفرة لرجال الأعمال. لقد تبنى الرئيس تلك الحقائق أكثر من مرة عندما ألمح إلى اتساع سوق مصر فى جميع الاتجاهات وترحيبها بكل الشركاء، وأننا نسعى من أجل المزيد.