متى يشعر المصريون بثمار الإصلاح الاقتصادى؟


بقلم: دكتور فخري الفقي 

فى العدد الماضى تحدثنا عن استغراب المواطن المصرى حالة الانفصام بين ما تعلنه حكومة المهندس شريف إسماعيل عن سعادتها البالغة ورضاها الكامل بإشادة صندوق النقد الدولى بما حققه الاقتصاد المصرى من تحسن ملموس فى أدائه وبين عدم انعكاس ذلك على حياته!
وكان أعضاء المجلس التنفيذى قد أثنوا على قرارات الحكومة فى هذا الشأن، لكنهم طالبوا بتطبيق سياسات اقتصادية تستهدف تصحيح الاختلالات المالية وإصلاح التشوهات الهيكيلة فى جسم الاقتصاد المصرى مع حماية الطبقات المحدودة.
وفى هذا الإطار، وافق المجلس التنفيذى على طلب الحكومة المصرية للإعفاء من عدم تحقيقها معيارين من معايير الأداء الكمى التى كانت مستهدفة لشهر يونيه الماضى، الأول يختص برصيد الموازنة الأولى (رصيد الموازنة دون فوائد الدين العام)، وكذا فاتورة دعم الوقود (البنزين والسولار والغاز والبوتاجاز). ويعزى عدم استيفاء هذين المعيارين إلى ارتفاع تكاليف استيراد المواد الغذائية ومنتجات الوقود بسبب تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016، وما ترتب عليه من حدوث قفزة غير متوقعة فى سعر الدولار بالسوق المصرفية.
لقد جاءت موافقة المجلس التنفيذى للصندوق على هذا الإعفاء فى ضوء الإجراءات الجريئة التى اتخذتها الحكومة فى يونيه الماضى بشأن زيادة أسعار الوقود والكهرباء لاحتواء دعم الطاقة بالموازنة الجديدة 2017/2018 التى اعتبرها المجلس خطوة مهمة للضبط المالى فى الفترة القادمة.
كما عقب السيد/ ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير عام الصندوق ورئيس الجلسة بالإنابة على مناقشات المجلس التنفيذى بشأن مصر، بأن البرنامج الذى تطبقه الحكومة المصرية يعد بداية طيبة فى مسيرة التنمية المستدامة. وأشاد بالإجراءات الجريئة التى اتخذها البنك المركزى المصرى بتحرير سعر صرف الجنية مقابل الدولار بشكل يؤدى إلى استقراره عند مستويات أقل مما هى عليه الآن بنهاية هذا العام المالى، مع اختفاء شبه كامل للسوق الموازية. لقد ساهمت هذه الخطوة بجانب تدابير اخرى فى زيادة احتياطات النقد الأجنبى لدى البنك المركزى زيادة كبيرة (بلغت نحو 36.5 مليار دولار بنهاية شهر سبتمبر 2017 أى ما يعادل 7.2 شهر واردات، مقابل 19.6 مليار دولار 2016 أى ما يعادل 3.5 شهر واردات، بزيادة قدرها نحو 17 مليار دولار فى عام واحد).
كذلك ساهم ترشيد دعم الطاقة والسيطرة على الأجور وتطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة فى تخفيض عجز المالية العامة من 12.5% (2015/2016) إلى 10.8% (2016/2018) كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى مع مزيد من الخفض المستهدف ليصل إلى 9.5% بنهاية العام المالى 2017/2018.
لقد ساهمت هذه الإجراءات فى احتواء الزيادة المضطردة فى الدين العام (4.2 تريليون جنيه) مع إحلال الدين الخارجى (79 مليار دولار) الأقل تكلفة تمويلية محل الدين المحلى (3 تريليونات جنيه) وبما لا يؤثر فى قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الخارجية فى توقيتاتها. كذلك أدى اتخاذ هذه التدابير إلى تمكين الحكومة نحو توجيه مزيد من الموارد المالية لتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية (كحزمة القرارات السبعة التى اتخذتها الحكومة فى شهر يونيه الماضى لحماية الطبقات غير المقتدرة).
لقد مكنت جهود الإصلاح الاقتصادى مصر من استرداد ثقة مجتمع الأعمال فى الداخل والخارج وبدرجة مكنتها من استعادة قدرتها على الاقتراض من أسواق المال الدولية. 
إلا أن السيد/ ليبتون لم يخفِ قلقه من تفاقم معدلات التضخم وتأثيرها السلبى على الاستقرار الاجتماعى. لقد بلغ معدل التضخم أقصى مستوى له فى يوليو الماضى حيث تعدت نسبته 34% مقارنة بعام مضى، ولكنه أعرب عن ارتياحه بعدما اتجه المعدل نحو الانخفاض شهريا من 3.2% فى شهر يوليو إلى 1.1% فى شهر أغسطس 2017.
كذلك أشاد بالسياسة النقدية المتشددة التى اتخذها البنك المركزى لخفض معدلات نمو فائض السيولة برفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل بزيادات متتالية بلغت 10نقاط مئوية منذ أن تولى السيد/ طارق عامر منصبه كمحافظ للبنك المركزى المصرى فى أكتوبر 2015 وحتى الآن (نهاية سبتمبر الماضى) منها سبع نقاط على ثلاث دفعات فى السنة الأولى من البرنامج كان آخرها فى شهر يوليو الماضى.
كما أثنى السيد/ ليبتون على ما حدث من تقدم كبير فى مسيرة الإصلاحات الهيكلية، حيث أشار إلى إقرار البرلمان لقانون تراخيص المنشآت الصناعية وقانون الاستثمار الجديد ويأمل فى أن ينتهى مجلس النواب من إقرار باقى حزمة القوانين الاقتصادية التى من أهمها قوانين تنظيم الإفلاس المانع التصفية والعمل والتأمين الصحى والتأمينات الاجتماعية وغيرها، وكلها تشريعات ضرورية لتعزيز مناخ نشاط الأعمال وجذب الاستثمارات وتشجيع النمو.
وأشار فى نهاية تعليقه بضرورة أن تواصل الحكومة المصرية جهودها الإصلاحية بالوتيرة نفسها لأن الوضع الاقتصادى ما زال هشا.
 
خبير اقتصادي
والمستشار السابق لصندوق النقد الدولي