السنوات الافتراضية


إسلام حامد 

كنت أحلم بها فى آتون سنوات المراهقة منذ سن الرابعة والخامسة عشر، وفى ريعان شباب العشرين ان انضم الى ذوى الشعر الرمادى ، الى قائمة الحكماء الذين يعملون العقل ويلتزمون التروى والتفكير قبل اى خطوة واى تصرف برؤية تشخيص لاى أمر وعواقبه ، برؤية جالس على المقهى يحتسي قهوته وشيشته لا يفكر فى ساعات ، لكنه فقط .. يرقب المارة فى صمت ويقدم تحليلا وتفسيرا ووصفا لكل ما حدث فى الشارع فى وقت جلوسه .

قمة جبل العمر الذى تتخذ بعده حياتك الهبوط التدريجي نحو تشطيبات الحياة او "الوش الاخير" بلهجة الصناع ، نحو التفكير في القادم من اجل اولادك ، نحول اهدافك بعد ان تزوجت وانجبت وقريبا فى غضون يذهب اولادك كل الى حال سبيل وتعود منفردا بعد هذا الثراء الاجتماعى فى حياتك .

سن الاربعين 

ربما اتشدق بها كثيرا وقد كنت فرحا بها فيما قبلها وازددت صمتا فيما بعدها وقد اصبحت الحياة لها العديد من المعايير برؤية ناقد لجيل باكمله اصبح بينك وبينه فجوة زمنية تحاول ان تلهث لكى تستوعبها ولكن تابي عوائق الزمن ان تضمك الى فلك تلك المرحلة فتتركك وحيدا مقربا من الفئة الاكبر منك سنا ، رغم انه يقال إنه العمر الذي يكون الإنسان قادراً فيه على أن يفهم كل الفئات العمرية ويعايشها ويتحدث بمشاعرها و أفكارها.

بعد ان كنت تمشي مختالا فى الشارع فى شبابك ببعض ما فتح الله به عليك من عضلات الذراعين والصدر منتفخا وانت ترى نظرات الاعجاب التى تظنها تلاحقك ، اصبحت تمشي لا تعبأ بهذا كله تلازمك انحناءة الظهر البسيطة ويتبدل ما فتح الله عليك به من عضلات الى شقيق وتوأم يمشي معك مختالا أيضا وهو "كرشك"المتدلى .

تشعر بها جدا ربما لبعض بياض الفودين الذى يجعل الكثيرون ينادونك بلقب "الحاج" او "عمو" وتستغرب ان ترى من يخاطبك بهذا شبابا فى العشرين .. ولسان حالك : هل تقصدوننى انا بهذا النداء ؟!.
 
يقول خبراء علم الاجتماع انه من المعروف أنه عند وصول الإنسان إلى "سن الأربعين" يكون قد أستقر أُسرياً ووظيفياً، واكتسب كماًّ لا بأس به من الخبرة والدراية لبدأ مرحلة جديدة، يُكرّسها في توفير حاجات أسرته ، كما يصحبها تحول جذري في الأفكار وبعض السلوكيات والتصرفات، وكذلك لبس "ثوب الوقار"، كما أنه تأتي كل خطواته محسوبة ومتأنية، مدفوعاً على كل ما يطرأ في هذه المرحلة من واقع شعوره بالمسؤولية الاجتماعية.
 
ربما اصبحت تميل الى العزلة اكثر والى الحنين الى ادوات الماضي وانت ترى مستقبلك شاخصا مجسما واقعا امام عينك مع السنوات التى تفترض فيها الحياة بقدر الله عز وجل سواء كانت 10 او 20 او 30 او حتى 40 عاما اخرى وانت تدعو الله  الا يردك الى ارذل العمر .
 
تتجه تدريجيا الى مرحلة الطفولة الأخرى مرحلة كبر السن وصغر العقل ، تفكر فيما فات وتراه أصبح ماضيا مؤرشفا فى مكتبة سجلات الذاكرة المخباة فى الركن الايمن من عقلك ، لكنه يأبي ان يفارقك ويلازم خيالك دائما ، تريد ان تلحق بكل شئ وتنجز كل شئ وتغير كل شئ ، وانت تراه صعبا وقد لا يتحقق. 

لن يكون الا ما قد كتبه الله لك فى هذه السنوات الافتراضية التى تداهمك ايامها وشهورها لتخبرك انه ربما مضي وقت العمل وجاء وقت السداد والحساب .
 
قال تعالى "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة  قال رب أوزعني  أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك واني من المسلمين " .