خواطر فى حب الوطن .. مشرطُ الجرّاحِ وتجديد الخطاب الديني


ياسر عثمان 

كلُ دعوةٍ لتجدِيدِ الخطابِ الدينيِّ لا تنْطَلقُ مِنْ ضَبْطِ السؤالِ العقدي أولاً، هي دعوةٌ تُفْسِدُ أكثرَ مما تصلحُ، وتَبْتَدِعُ أكثرَ مما تُبدْعُ، فتصويب المعتقدِ من الخطابِ الديني يقومُ مقامَ تطهير الجُرحِ قبلَ غلقهِ في العملياتِ الجراحيةِ الخطرةِ. وإننا لنقولُ في هذا المقامِ بما قال بِهِ الوعيُ العميق في ثقافتنا العربيةِ ذاتَ شعرٍ:

إذا ما الجُرحُ رُمَّ علــى فسادٍ ..
تبيـَّنَ فيهِ تفريطُ الطبيـبِ

نقولُ ذلكَ بعدما تبيَّنَ كيفَ غادرَتْ جماعاتٌ وتنظيماتٌ وأحزابٌ وصفتْ نفَسَها بالمسلمةِ( كتلك الجماعةِ التي جعلت الكُرسيَّ والمناصبَ وتأسيس الأحزاب ثابتًا من ثوابتِ فكرها، وأهدافًا من أهدافها الحركية؛ فابتدعتْ في دينِ الله، وأججَّتْ -بفكرها المنحرفِ ومعتقدِها الذي أصابه فيرس البدعةِ في مقتلٍ- نارَ الفِتَنِ، وشقَّت عصا الجماعةِ وألقت بمقدراتِ الأوطانِ في غياهبِ المجهولِ) ركْبَ المسلمينَ الذين سماهم الله -سبحانه وتعالى- بهذه التسميةِ(المسلمين)، متجاوزين السُّؤالَ العقديَّ الذي يرفضُ الحزبيةَ والتنظيميةَ وتأسيسَ الزُّمرِ والجماعات وصبغها بصبغةِ الإسلامِ، فيما هي تغادرُ فكرًا وعلمًا وعملاً جوهر الإسلامِ بتشعباتها من جهةٍ، وبما تبتدعه في دينِ الله من جهةٍ أخرى: "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ، فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ"(من الآية 78 من سورة الحج). 

إنَّ دعوة لتجديد الخطابِ تتجاوزُ السؤلَ العقديَّ الذي هو جوهر دعوة الأنبياء والمرسلين وأساسها وقوامها، هي دعوةٌ بالضرورةِ لا تقدر الله حقَّ قدره (إذ إنَّ أهل المعتقد الصحيح هم أعرف الناسِ بالخالقِ سبحانه وتعالى اسمًا وصفةً)، ومنْ ثمَّ فهي دعوةٌ لا يباركها الله ولا يباركُ أهلها، وإنَّما يخزيها ويخزي دعاتها في الدنيا والآخرة.
 
من كتاب " الخطاب وعثرات الوعي"