خبراء اقتصاد: الرقابة الإدارية كشفت حجم الفساد.. و40 مليار جنيه يمكن توفيرها من ضرب المرتشين


كتب : محمود زايد
 
كشفت الضربات الأخيرة التي وجهتها الرقابة الإدارية عن أن حجم الفساد في مصر فاق ما توقعه الكثيرون، خصوصا وأن أحدها تعدى ال مليار دولار كما هو الحال في رشوة شركة البترول المعروفة، ومنها ما تعدى الملايين كما هو الحال في قضية الرشوة الكبرى بمجلس الدولة، والكثير منها تعدى مئات الآلاف، في بادرة تحسب لجهاز الرقابة الإدارية خصوصا وأن "الرشوة" باتت توصم بالكثير من المسؤولين الحكوميين في الجهاز الإداري للدولة.
 
خبراء الاقتصاد من جانبهم كشفوا أن حجم الفساد في مصر يتعدى مليارات الجنيهات، منوهين بأن الفساد استشرى في الكثير من اجهزة الدولة، مما أثر بدوره على جذب الاستثمارات وتوجيه هذه الأموال لمصارفها المطلوبة من صحة وتعليم وزراعة وصناعة وغيرها، مؤكدين أن الفساد أحد أهم الأسباب التي تعوق النمو الاقتصادي في أي دولة، مشددين على الأجهزة الرقابية كشف الفساد وتقديم الفاسدين للمحاكمات العاجلة حتى يكونوا عبرة لذويهم.
 
أكبر عقبات التنمية
 
الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب الخبير الاقتصادي، قال إن الفساد أحد أكبر العقبات التي تعوق التنمية والتقدم الاقتصادى، ليس فى مصر وحدها، بل وفى العالم اجمع، منوها بان الفساد وإن كان يتسبب فى اهدار المال العام وتوجيهه الى غير وجهات التنمية، فهو فى نفس الوقت يساهم بشكل كبير فى ابعاد الكفاءات عن مواقع المسئولية، ويعطى الفرصة للفاسدين ان يستعينوا بأمثالهم في تسيير أعمالهم.
 
وأضاف في تصريحات ل "صوت المال" أن الفساد يحرم المجتمع من الاستفادة بموارده الاقتصادية بالشكل الأمثل من ناحية، ويحرم المجتمع من الاستفادة بكوادرة البشرية الكفء من ناحية أخرى.
 
وأكد أن الضربات القوية والمتلاحقة لهيئة الرقابة الإدارية، من أهم عوامل القضاء على الفساد، أو على الأقل "تقليم أظافره" مع الحد من توحشه، لافتا إلى أن استمرار هذه الضربات ستساهم فى إقصاء عدد كبير من قيادات الفساد ومن يحمونه، والذين يتغلغلون فى الكثير من مفاصل الدولة، وهذا بدوره سيقضى على عدد أكبر من أتباع الفاسدين، أو الفاسدين الصغار.
 
وقدر الخبير الاقتصادي ما يمكن توفيره من الضربات الموجه للفساد بشكل مباشر بنحو 40 مليار جنيه كحصيلة للقضاء على الفساد، كالتهرب من الضرائب والجمارك، والاستيلاء على أراضى الدولة، وتخصيصها بأقل من قيمتها الحقيقية للأصول وغيرها من أوجه الفساد الحكومى، مع موارد وطاقات لا تقدر بثمن نتيجة تولي مواقع المسئولية كفاءات قادرة على الاستخدام الأمثل للموارد المصرية.
 
الضربات جاذبة للاستثمارات

الدكتور رمزي الجرم الخبير المصرفي قال إنه على مدى أكثر من عامين أو نحو ذلك؛ طرأت على البيئة الاقتصادية والسياسية تطورات شديدة التعقيد، صاحبها عزم من الحكومة والقيادة السياسية؛ على المضي قدماً في تنفيذ برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة، وفي ظل تسابق الزمن في تحقيق تلك الأهداف؛ كان على الحكومة أن توفر بيئة صالحة للإصلاحات الاقتصادية والمالية، كان من أهمها على الإطلاق؛ هو محاربة الفساد بكافة أشكاله وصوره، بعدما تقهقر دور الجهاز المركزي للمحاسبات على مدى سنوات سابقة في درء واكتشاف الفساد الذي تغلغل في كيان الدولة المصرية، وأصبح أحد بنيانها. 
 
وأضاف في تصريحات ل "صوت المال" أن ما كشفته هيئة الرقابة الإدارية، من العديد من المخالفات المالية والإدارية والفنية التي تشكل قضايا فساد إداري، كان له انعكاسات ملموسة على الاقتصاد المصري، فضلاً عن كونها أداة ردع عام لكل من تسول له نفسه النيل من كيان الدولة بكافة مؤسساتها وهيئاتها.
 
وتابع، انه بلاشك مكافحة الفساد في أي دولة على اختلاف إيديولوجيتها السياسية والاقتصادية؛ من المتوقع أن يكون له انعكاسات ايجابية على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة بشكل ملموس، وهذا ما حدث في الفترة الأخيرة، حيث شهدت تلك الفترة مزيد من الاستثمارات الأجنبية بشكل نسبي، بسبب إحساس المستثمر الأجنبي بقدر أكبر من الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة؛ نتيجة القضاء نسبياً على منظومة الفساد في مصر. وكان ذلك من خلال توفير دعم سياسي ومؤسسي وفني لهيئة الرقابة الإدارية ، وبمساعدة مباحث الأموال العامة، والجهاز المركزي للمحاسبات، وجهاز الكسب غير المشروع، وهو ما أدى إلى توفير بيئة مناسبة للإنتاج والاستثمار، وتحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، له القدرة على النمو الذاتي، إذا ما توافرت له المقومات والإمكانات اللازمة للنمو والتوسع.

ولفت إلى انه بالرغم من تنفيذ ضربات موجعة لمنظومة الفساد في مصر؛ إلا أنه مازال الطريق طويل، ويعتريه الكثير من العثرات والعقبات، وهذا يتطلب من الدولة بكافة وزاراتها ومؤسساتها وكافة هيئاتها الرقابية؛ التنسيق فيما بينها لمحاصرة الفساد من كافة الاتجاهات؛ من خلال تعديلات تشريعية تسمح بتوسيع سلطات وصلاحيات هيئة الرقابية الإدارية ، بشكل يوفر الأُطر القانونية، والتي تسمح بتفعيل مبدأ الرقابة المانعة (السابقة)، والتي توفر حزمة من السياسات والإجراءات التي تمنع وقوع الفساد، وليس اكتشافه بعد حدوثه، إذ أن هذا النهج؛ سوف يكون له وجهاته الفائقة في القضاء على جانب أكبر من الفساد ومنع حدوثه.

وأشار إلى أن ما يتم اكتشافه من جرائم؛ لا يمكن أن يتجاوز في المتوسط 10% من معدل الجرائم الفعلية، وذلك بسبب أن السلطات لا تساهم مساهمة فعلية في توفير الوسائل التي تحول دون وقوع الجرائم.
 
ونوه بأنه ينبغي أن يكون هناك دور استباقي لهيئة الرقابة الإدارية في اكتشاف المخالفات التي تمثل جرائم فساد، فضلاً على أنه يتعين إعادة النظر في قانون هيئة الرقابة الإدارية رقم 54لسنة 1964، بالشكل الذي يسمح بتوفير سلطات جديدة، تسمح بتوجيه ضربات استباقية لمنظومة الفساد في مهدها،مع تعديل البيئة التشريعية في كافة المؤسسات، والتي تساعد على حدوث الفساد، والذي يُعد ضرباً من ضروب الإصلاح الإداري والمؤسسي؛ والذي ينعكس على تحسين الأداء الاقتصادي للدولة.
 
ضربات الرقابة ايجابية
 
الخبير الاقتصادي محمد دشناوي قال، إن تاثير ضربات الرقابة الادارية علي مراكز الفساد فى مصر ايجابية علي كل الاتجاهات لتجفيف منابع الفساد وتخفيض تكلفتة، منوها بأن الفساد له تكلفة كبيرة تؤثر علي الاقتصاد وعلي حياة المواطنين عموما فتتبع الفساد لن يقضي على كل الفساد لأنه يحتاج وقت ومجهود ضخم ومناخ وتغيير بعض الثقافات الخاطئة التي تكونت فى الاعوام السابقة.
 
وأضاف في تصريحات ل "صوت المال" أن محاربة الفساد والقاء القبض على بعض المتورطين ترفع تكلفة الفساد مما تقلل الممارسة وبالتالي تنخفض التكلفة، هذا غير أن الدول التى تحارب الفساد بصورة كبيرة تشجع المستثمرين ورواد الأعمال إلى القدوم وفتح أنشطة بها لأنهم يعلمون بأن هناك مساواة وتكلفة الفساد منخفضة، وأن مجال المنافسة مفتوح ولنا فى الصين قدوة كبيرة فى ذلك فلها باع كبير فى محاربة الفساد بعقوبات تصل للاعدام لمستويات عليا سواء في الحزب الشيوعي نفسه أو حتى حتي فى رجال الدولة من وزراء وشرطة وجيش.
 
واشار إلى أن الأثر السلبي لمحاربة الفساد محدود ومؤقت وناتج عن تراجع وامتناع الفاسدين من ممارسة الأعمال خوفا من فضح أمرهم، وأن حدث فانه أفضل وأفيد للاقتصاد لانهم بذلك سيفتحون الباب إما لمستثمرين كلفتهم أقل ولديهم قدرة علي الاستدامة.