فى مواجهة «المحمول» و«شبكات التواصل»!


د. شوقى السيد

من يصدق ان عدد خطوط المحمول عندنا فى مصر قد تجاوزت إجمالى عدد السكان بنسبة 120% ، أى نحو 120 مليون، وقد تطورت هذه الأعداد الهائلة خلال عشرين عاماً فقط عام 96 حتى دخول خدمات الجيل الرابع للهاتف المحمول خلال هذا العام . كما تزايدت أهمية استخدامات الانترنت والمحمول وشبكات التواصل الاجتماعى بصورة مذهلة خلال تلك الفترة، وانتشرت تكنولوجيا المعلومات واستخداماتها، حتى أصبحت تمثل أهمية وخطورة فى ذات الوقت، فى تطاير المعلومات وتدفقها وتوفير الأداء وسرعة الإنجاز، بينما تردت ثقافة استخداماتها مع الزمن حتى أصبح الغالب منها للتسلية وضياع الوقت، أو التبكيت والتنكيت أو الإثارة أحياناً، وبغير إفادة وإعادة، وأصبح حصادها تبديداً للوقت والجهد والمال.
 
وقد حذرنا علماء الطب والاجتماع، وخبراء تكنولوجيا المعلومات وأساتذة الصحافة والعلاقات الأسرية والاجتماعية والتربوية، أكدوا لنا، فى أبحاثهم أن انتشار المحمول.. وشبكات التواصل الاجتماعى بأشكالها المختلفة وإساءة استخداماتها على طول الخط، ينذر بالخطر بسبب انتشار الإشعاع على خلايا المخ، فضلاً عن أنها فرضت على المجتمع حالة من العزلة بين أفراد الأسرة الواحدة، لهذا فلقد اقترح البعض وسائل لمواجهة خطر الموبايل وحروب السوشيال ميديا، والعلاج من هذا الإدمان اللعين، بنشر الثقافة والتوعية بأضرار اتصالات المحمول والنشر غير المسئول، والرصد والمراقبة والتحليل والاختراق والتوجيه والتجريم والملاحقة، والتنظيم للنشاط الإعلامى من خلال تحديد العلاقة بين الدولة ومقدم الخدمة والجمهور، ووضع ضوابط أخلاقية وضبط أداء الحق فى التعبير ليكون صادقاً وأميناً.
 
وبعد هذا الانتشار الطاغى وما صاحبه من السلبيات العديدة، بدأت الدولة تفكر فى عدة حلول لمواجهة ذلك الطوفان من أجل ترشيد الخدمة وحسن الأداء, فهناك من اقترح فرض ضريبة عشرة جنيهات على كل محمول ، وهناك من اقترح فرض ضريبة على النشاط والإعلان بعد أن حققت أرباحاً طائلة على أن توجه هذه المبالغ الى الصحة أو التعليم أو غيرها من الخدمات الضرورية التى يحتاجها الناس، وهى أهم من استخدام المحمول والسوشيال ميديا، وكلها مقترحات تحتاج الى الدراسة الجادة والتطبيق الحذر، لتخفف من حدة سوء الاستخدام وغلوائه بعد أن حذرنا منه الأطباء والعلماء باصابة الإشعاع فى الدماغ وغيره من مناطق الجسم الحساسة فضلاً عن الأمراض الاجتماعية والنفسية المتلاحقة!
 
وإلى أن تدرس الدوله أفكارها وتضع الحلول لها وتمهد لتطبيقها عاجلاً حماية للناس والمجتمع.. فعلينا نحن أبناء الوطن أن نعّجل من المبادرات والحلول الفردية أو الجماعية ، لتفادى نتائج ذلك الخطر اللعين وعدم الاستسلام لتلك الأمراض الاجتماعية فى مواجهة السلوكيات الخاطئة التى أحدثت تفككاً فى الأسرة الواحدة، وكانت تجربتى فى مواجهة المحمول وشبكات التواصل الاجتماعى حيث اتفقت مع أفراد أسرتى على اجتماع كل أسبوع ، يحضر فيه جميع أفراد الأسرة، صغيرها وكبيرها، حتى من هم دون سن التمييز ونترك المحمول.. خارج اجتماع المجلس. نتناول الحديث والأخبار الاجتماعية والأسرية ونروى القصص والحكايات والذكريات ونهتم فيها بإيضاح القيم والمبادئ والمثل، وأحياناً نختار موضوعاً يتولى أحد أفراد الأسرة التحدث فيه أو يقدم لناpresentation فى موضوع عام يهم الجميع.. ويختار أحد الأبناء موضوعاً للتحدث, والباقى ينصت ويناقش, ونجحت التجربة بشكل فاق كل التوقعات، والمدهش ان الصغار دون السابعة أكثرنا سعادة عندما يشعر كل منهم بأهمية الاجتماع ويترقبون له ويعدون لموضوعاته بجدول يتخلله بعض الأخبار الخفيفة أو الأسئلة فى الشئون الاجتماعية والأسرية فى مناقشة ديمقراطية كأسلوب حياة, فكان ذلك تدريباً عملياً للتواصل بين أفراد الأسرة وتقوية صلة الترابط بينهم, وتطورت الفكرة ليكون مكان الاجتماع لدى أحد أفراد الأسرة, وصرف مقابل رمزى لحضور الجلسات فكانت تجربة ومبادرة فردية ناجحة ننشر عنها علناً، لمواجهة الموبايل والسوشيال ميديا بعد أن صارت سلبياتها أكثر من ايجاياتها! وحتى تصبح الأسرة أساس المجتمع وبنيانه نعمل على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها وهو التزام دستورى يقع على الدولة بالمادة العاشرة من الدستور كما يقع على كل فرد فيها حتى تستنير العقول.. ونتعلم ممارسة الديمقراطية كأسلوب للحياة!
 
نقلا عن "الاهرام"