ً
عروس الموت البيضاء .. وقُبلتها الدامية
اسلام حامد
وجدته يقف أمامى فى فرن العيش ، عمره يقارب السبعين عاما ، فى جلباب رث وكوفية يلتفح بها مغطيا نصف وجهه ، بنظارته السميكة ، وهو ينفث دخان سيجارته الكليوباترا ذات الماركة الشعبية العتيقة .
وجدته يقف أمامى فى فرن العيش ، عمره يقارب السبعين عاما ، فى جلباب رث وكوفية يلتفح بها مغطيا نصف وجهه ، بنظارته السميكة ، وهو ينفث دخان سيجارته الكليوباترا ذات الماركة الشعبية العتيقة .
وكعادة أى طابور فى مصر فلابد من التسالى لبعض الوقت بتجاذب اطراف الحديث بين الحضور ، وهذه التسالى كانت على قرار وزارة التموين الاخير بعدم استخدام بطاقة صرف الخبز لاكثر من مرة واحدة يوميا ، وفجأة خرج هذا المسن الطيب عن سياق الحديث وانبرى ينعى ظروف العيشة وضيقها واللى عايشينها ، وهو يؤكد ان معاشه الشهرى لا يتجاوز 1800 جنيه نصفهم يذهب للسجائر وحدها !.
سالته : "بتشرب قد ايه فى اليوم يا حاج؟".
رد على: " ييجى علبة وساعات بدخل فى التانية " .
سالته : "بتشتريها بكام يا حاج؟" .
رد علي: بجيبها ب14 وساعات بلاقيها ب 15 جنيه.
بحسبة العدد فى الاستهلاك الشهرى ... 15 جنيه يوميا .. 30 يوم = 450 جنيه شهريا فقط للتدخين ! .
ولو خيرت هذا الرجل الطيب ان يدفع هذا الرقم فى أى أمر آخر مفيد لصحته أو لاسرته لفكر وتردد كثيرا قبل ان يفعل ، ولكانت قبلة "عروس الموت البيضاء" فى فمه اشهى من اطياب الطعام والشراب بل ، ومن نسمة هواء نقى صحى جدير به ان يتنفسه فى هذه المرحلة من العمر .
لا اتطرق مطلقا الى معيار المعاش الكافى لهذا الرجل لكى يحيا حياة كريمة فى اخريات عمره ، فربما كان هذا الرقم 1800 جنيه يحتاج الى ضربه فى الضعف او الضعفين لكى يستطيع هذا العجوز ان يكفى معيشته وعلاجه .
ولكن ان يكون دخلك بهذه الضآلة وتنفق تقريبا ثلثه فى الهواء من اجل شراء علبة نيكوتين مختلط بالقطران والزفت يوميا لكى تنعش بها اوردتك وشرايين قلبك ، وانت تنفث دخان سيجارتك وتنعى حظك من ضيق المعايش وحال الرغيف .
أتذكر ابي رحمه الله عندما قرر فجأة وبلا أى مقدمات فى احد ليالى الشتاء الباردة وقد كنا اطفالا ، وبعد أن فتح علبته وتناول منها أول سيجارة، ان يمزقها ويلقيها فى القمامة عازما بلا رجعة على العودة مهما كانت المغريات ، وقد كان ابي ممن يشترون السجائر بـ "القاروصة " خوفا من اختفاء او قلة السجائر يوما ما ، واستمر على اقلاعه ليتم 37 عاما من الاقلاع قبل ان يتوفاه الله وهو يحب مشروبين اثنين فقط .
القرفة والجنزبيل
مهما كانت غصة العيش وضيق الحال فقد جعل الله لنا عقلا نتدبر ونزن به الامور ومخاطرها وحجم الاستفادة منها ونقيم لانفسنا ميزان معقول لكى نعيش حتى فى احلك الظروف ، فمال يذهب لشراء حفنة نيران مشتعلة لا يبارك الله عز وجل فيه .
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
[ سورة الأعراف : 157]
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
[ سورة البقرة : 195]
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
[ سورة الأعراف : 157]
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾
[ سورة الإسراء : 27]
"قليل من التفكير فقط "
"قليل من التفكير فقط "
