مصر فى عيون الصندوق


بقلم : د.فخرى الفقى‮

فى آخر تقرير أصدره صندوق النقد الدولى فى 21 ديسمبر 2017، بعد أن اختتم مجلسه التنفيذى مناقشة تقرير خبرائه الذين زاروا مصر نهاية أكتوبر الماضى واستمروا بها لمدة أسبوعين لإجراء المشاورات السنوية الدورية المعتادة مع الحكومة المصرية وفقا للمادة الرابعة من مواد اتفاقية إنشاء الصندوق، للوقوف على مستوى أداء الاقتصاد المصرى لعام 2017. كذلك تقييم خبراء الصندوق فى جولتهم الثانية من مراجعاتهم نصف السنوية لتقييم أداء برنامج مصر للإصلاح الاقتصادى الممول من الصندوق من خلال ما يعرف بترتيب «تسهيل الصندوق الممدد» Extended Fund Facility – EFF.
يشير التقرير إلى أنه فى السنة الأولى لتطبيق مصر برنامجها الإصلاحى نجحت فى تحقيق استقرار مالى وتعاف فى معدلات نمو ناتجها المحلى الإجمالى الحقيقى (5.2% للربع الثالث عام 2017) واستمرار تراجُع معدل التضخم الشهرى (شهر مقابل شهر للعام السابق) بوتيرة أسرع عن مستوياته التى ما زالت مرتفعة (31.6 فى أكتوبر إلى 26.7% فى نوفمبر للشهر المقابل من العام الماضى)، واستمرار جهود الحكومة فى تحقيق الضبط المالى وخفض عجز الموازنة على المسار الصحيح بنهاية العام المالى الحالى (9.5% من الناتج المحلى الإجمالى) وارتفاع احتياطى النقد الأجنبى فى شهر نوفمبر الماضى إلى أعلى مستوياته منذ نهاية عام 2010. (36.7 مليار دولار أى ما يعادل 7.5 شهر واردات)، كما أشاد التقرير بالتزام الحكومة بنظام تحرير سعر الصرف كضمانة أساسية لامتصاص أى صدمات يتعرض لها الاقتصاد المصرى مستقبلا. 
كذلك حدد التقرير أولويات العمل فى السنتين المقبلتين حتى نهاية البرنامج فى نوفمبر 2019، والتى تتمثل فى:
1- إصلاح الإطار التنظيمى وتعزيز المنافسة.
2- تحسين فرص حصول القطاع الخاص على التمويل اللازم وتخصيص الأراضى الموافقات والتراخيص الحكومية. 
3- تطبيق قواعد الحوكمة والشفافية والمساءلة فى المؤسسات المملوكة للدولة.
4- زيادة مشاركة المرأة والشباب فى سوق العمل.
وبعد مناقشة مستفيضة لتقرير الخبراء وافق المجلس التنفيذى للصندوق، بإجماع الأربعة وعشرين مديرا تنفيذيا الذين يمثلون 189 دولة هم كل أعضاء الصندوق، على إتاحة الشريحة التمويلية الثالثة من قرض الصندوق البالغة 1432.76 مليون وحدة حقوق سحب خاصة Special Drawing Right - SDR (وهى وحدة نقدية حسابية دولية، لوحدها الصندوق عام 1968 وتعادل متوسط مرجح لسعر صرف العملات الخمس الاحتياطية الدولية -الدولار، اليورو، الإسترلينى، الين، اليوان- حاليا تعادل 1.4 دولار) أى أن الشريحة الثالثة بإجمالى نحو 2.03 مليار دولار أمريكى. 
وفى ضوء قناعة خبراء الصندوق بجدية والتزام السلطات (الحكومة والبنك المركزى) المصرية، وافق المجلس التنفيذى على طلب مصر بإجراء تعديلات بسبب عدم تحقق ما هو مستهدف فى مؤشرين من مؤشرات تقييم الأداء الكمى، على أن تقوم السلطات المصرية بمراعاة ذلك فى المراجعة القادمة (إبريل 2018). وتتمثل هذه التعديلات فى المؤشرين التاليين:
1- تعديل فى صافى الأصول المحلية خاصة الإقراض الحكومى المستهدف فى نهاية ديسمبر 2017 ونهاية يونيو 2018.
2- تعديل الرصيد الأولى للموازنة الحكومية، والذى كان محددا له تحقيق فائض يقدر بنحو 11 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2018. 
وعقب انتهاء المجلس التنفيذى من مناقشة تقييم أداء الاقتصاد المصرى، أدلى السيد/ ديفيد ليبتون، النائب الأول للسيدة كريستين لاجارد (مدير عام الصندوق)، بتصريح صحفى أكد فيه إشادته بالنتائج الإيجابية المتحققة، وأن الآفاق المستقبلية تبدو مواتية لمزيد من النجاح، إلا أن ذلك سيتطلب جهودا متواصلة والاستمرار فى اتخاذ سياسات أكثر حذرا مع ضرورة الإسراع بالإصلاحات الهيكلية لتحقيق هدف الحكومة نحو النمو الاحتوائى وخلق مزيد من فرص العمل على المدى المتوسط.
كذلك أشاد بالنهج المتشدد للبنك المركزى فى سياساته النقدية وحسن إدارته لمنظومة سعر الصرف وتحريره من القيود، وكشف عن أنه لولا ذلك لما استطاعت مصر احتواء المسار الصاعد للتضخم والذى كان من المخاطر الأساسية على استقرار الاقتصاد الكلى. كذلك أعرب النائب الأول للصندوق عن ثقته بقدرة البنك المركزى على استهداف التضخم واتجاه معدلاته نحو الانخفاض التدريجى وبالدرجة التى ستمكنه من السير قدما نحو إجراء تخفيضات ملموسة ومتدرجة فى أسعار الفائدة فى الأجل المنظور، إلا أنه أشار إلى ضرورة أن يظل البنك المركزى متنبها ومستعدا لتشديد سياسته النقدية إذا ما ظهرت ضغوط من الطلب الكلى من جديد على مستويات الأسعار فى مصر. 
كذلك أعرب عن تفاؤله بقدرة الحكومة على تحقيق الضبط المالى واحتواء تصاعد الدين الحكومى على مسار تنازلى. واعتبر أن هدف تحقيق فائض أولى فى موازنتى 2017/2018 و2018/2019 قابل للتحقيق، ولكنه محفوف بالمخاطر خاصة مخاطر ارتفاع أسعار النفط. وبناء عليه، فإن استمرار إصلاح منظومة دعم الطاقة يعد أمرا أساسيا لتحقيق الأهداف المالية الواردة فى البرنامج.
وعلى المدى المتوسط، ينبغى للحكومة إجراء إصلاحات فى السياسة الضريبية وتحديث الإدارة الضريبية والجمركية لخلق حيز مالى يسمح بالإنفاق على الاستثمارات الضرورية فى رأس المال البشرى والبنية التحتية. 
ويمكن تعزيز شبكة الأمان الاجتماعى بتحقيق تقدم أكبر فى التحول من الدعم العينى إلى نظام التحويلات النقدية الأفضل استهدافا للمستحقين.
واختتم النائب الأول للصندوق كلمته بأن نجاح مصر فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى فى السنة الأولى من البرنامج سوف يشكل أساسا صلبا لتوسيع نطاق الإصلاحات الهيكلية على نحو جذب مزيد من الاستثمارات وتعزيز النمو الاحتوائى والتشغيل.

نقلا عن "الاهرام الاقتصادي"