البتكوين ببساطة هي الحوالة الجديدة


رشمي روشان لال 

نقاط قوة وضعف للبتكوين

المصريون والسعوديون والأتراك واللبنانيون يقطبون الجبين أمام البتكوين، العملة المشفرة أو الشكل الإلكتروني للنقود، حيث لا يعتبره استثمارا تقريبا إلا المهووسون جدا (أو المتقلبون جدا). وتجد الهنود أيضا غير مكترثين متعللين بالأسباب نفسها تقريبا مثل اللبنانيين، وهي بالتحديد أن المال الرقمي يحمل مخاطر كبيرة للخداع والغش وتمويل الإرهاب.
 
ومن سخرية الموقف أن كل الشعوب تقريبا كانت مهتمة جدا بالحوالة، أي نظام تحويل المال غير النقدي الذي اخترعه العرب قبل قرون. وكما روى الأكاديمي فرانك شاستر من جامعة هارفارد في مقالته الصادرة في سنة 1896، كان رجال الأعمال العرب يتبادلون الحوالات، ويرجع ذلك إلى نهاية القرن السابع. ويعطي شاستر مثالا من كتاب الأغاني في القرن العاشر لشاب من قريش جاء إلى واحد يدعى عمرو يحمل “وثيقة بمبلغ عشرين ألف درهم فيها توقيع سعيد نفسه وتوقيع رجل معتق كان تابعا له عليها”.
 
وأيا كان سعيد في هذا المثال فهو معترف به على أنه المحيل الشرعي للديْن، والشاب هو الدائن الشرعي، وعمرو هو المحال إليه الشرعي. ولم يفكر أحد بسوء عن أي منهما للدخول في هذه المعاملة. وبقي الأمر على ذلك الحال لمئات من السنين، مع حصول الحوالة على ثقل جديد في القرن العشرين من شبكات الجاليات العرب والقادمين من جنوب آسيا.
 
الآن يوجد البتكوين الذي يمكن أن يفهم على أفضل وجه على أنه الحوالة الجديدة ويحمل الكثير من نقاط القوة ونقاط الضعف نفسها. ولكون البتكوين هو أول منظومة لتحويل المال غير النقدي للقرن الواحد والعشرين، فهو يتجاوز المنظومة البنكية التقليدية ووسطاء البورصة ومحولي الأموال وقيود رأس المال.
 
ومثله مثل الحوالة يتخلص البتكوين من العمولات المجحفة ورسوم تبديل العملة. وعلى خلاف الحوالة التي عادة لا تملك سجل معاملات مكشوفا (أو حتى مكتوبا)، لدى البتكوين بعض البيانات الرقمية التي يمكن للجميع الاطلاع عليها. لكن أصحاب عناوين الإنترنت الخاصة بالبتكوين (مثل أولئك الذين يرسلون ويتلقون المال الافتراضي) فضلا عن مكانهم المجهول يبقون متخفين.
 
نجاح هذه العملة المتزايد تسبب في ردة فعل سلبية غير منتظرة من الشيوخ المسلمين، الذين ربما يشعرون بأنهم سيوضعون أمام تحدّي تقديم رد ديني للواقع الرقمي الجديد
إن وجه الشبه بين البتكوين والحوالة يفسر التشكيك الرسمي تجاهه في الكثير من أنحاء العالم ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. في سنة 2001، ومرة أخرى في سنة 2002 لاحظت قرارات مجلس الأمن الدولي بأن الحوالة جعلت من المستحيل توظيف الضريبة على “المال القذر” أو تتبعه وبأن تلك المعاملات يمكن أن يساء استخدامها من قبل عناصر إجرامية بما في ذلك المتطرفون الإسلاميون. وهذه الحجج ضد الحوالة يتم تكرارها الآن بالنسبة إلى بتكوين، ولو في سياق مختلف قليلا.
 
في أكتوبر حذر مدير البنك المركزي اللبناني من أن العملة الرقمية قد تحفز الجريمة الإلكترونية. وفي مستهل سنة 2018 قال مفتي الديار المصرية الشيخ شوقي علام إن بتكوين يحمل مخاطر “التحيل وغياب المعلومة والغش”. وأعلن أحد مستشاريه، مجدي عاشور، أن هذه العملة المشفرة “تستخدم بصفة مباشرة لتمويل الإرهابيين”. وأعرب الشيخ السعودي عاصم الحكيم عن أسفه بأن البتكوين هو “باب مفتوح لغسيل الأموال ومال المخدرات والمال الحرام”.
 
هذه تخوفات مشروعة، لكن الشيء المحير هو النبرة الدينية لبعض الاعتراضات إذ قام المصريون والسعوديون والأتراك بالتعبير عن نقدهم على أساس ديني. قال مفتي الديار المصرية إن البتكوين “محرم” في الإسلام، وسمعنا صدى ذلك من هيئة دينية تركية رئيسية، وحذر الشيخ السعودي المسلمين من “التورط في مثل هذه المعاملات المشبوهة… فهذه ليست مفهوما إسلاميا”.
 
لا أحد اعترض على الحوالة على أساس ديني قبل التعرض للمزيد من الضغوط الأميركية بعد الهجمات الإرهابية لسنة 2001 على الولايات المتحدة التي شككت في تلك الممارسة.
 
ربما من المناسب أن البتكوين يسبب هذا القدر من التشويش الافتراضي في العام العاشر من وجوده كعملة على الإنترنت. عشرة أعوام هو عمر محترم لشيء عابر إلى درجة أنه من الصعب على رجل الشارع لكي يفهم جيدا طريقة عمل معاملة البتكوين. وإلى حدود أواخر السنة الماضية لمّا زادت قيمة البتكوين بأكثر من ألف بالمئة كانت هذه العملة على هامش التجارة الدولية لكن اليابان مررت قانونا يعترف بالبتكوين، وبذلك تفتح على ما يبدو عالما جديدا من المعاملات المالية غير النقدية القانونية من دون حدود وغير الخاضعة إلى مراقبة البنوك المركزية.
 
وانتهى العام الماضي بالتهافت على كل شيء يتعلق بالبتكوين حيث ارتفع سعر أسهم شركة اسمها “لونغ أيلاند آيست تي كوربوريشن” بقرابة 300 بالمئة بعد أن غيرت اسمها ليصبح ”لونغ بلوكشين كربوريشن”. “بلوكشين” هي التكنولوجيا التي تقوم عليها بتكوين. وربما زادت آفاق بتكوين إشعاعا عندما قام بيتر ثيل أحد مؤسسي “باي.بال” والمستثمر في وادي السليكون بمراهنة كبرى على العملة المشفرة، وذلك ربما في محاولة منه لتحقيق طموحه لإحداث “عملة عالمية”.
 
كل هذا قد يبدو مثل ضربة موفقة بالنسبة إلى البتكوين، لكن يبدو أن نجاح هذه العملة المتزايد تسبب في ردة فعل سلبية غير منتظرة من الشيوخ المسلمين، الذين ربما يشعرون بأنهم سيوضعون أمام تحدّي تقديم رد ديني للواقع الرقمي الجديد.
 
 
كاتبة في صحيفة العرب ويكلي
 
نقلا عن "العرب" اللندنية