بين مدمني التدخين والهَرْيِ الفيسبوكي


بقلم : ياسر عثمان

كلاهما (إدمان التدخين، وإدمان الهَرْيِ) مَضَرَّةٌ بالصِّحةِ مَهْلَكةٌ للمالِ (باعتبار الهري الفيسبوكي يهدر الوقت الذي من الممكن استثماره في عملٍ يدر مالاً ومنفعةً وقيمةً)، ولكن هناك فرقٌ بين مدمنيهما: فمدمنُ التدخينِ لا يخونُ سيجارته،  أونارجيلته (شيشته)، ولا يغتابُها ولا يذكرُها بسوءٍ أبدًا.

وإذا أردتَ أنْ تُغْضبَ مدخن السجائر، فاغتبْ السيجارةَ أمامَ عينيه، واذكر مساوئها وما تمثلهُ من خطرٍ على صحته، وكذلك الحال مع صنوه مدخن (الشيشة). فيا لهَا من مروءةٍ، ويا لَهُ مِنْ صدقٍ وحفظٍ لعِرِضِ المحبوبِ من الغيبةِ.

وأمَّا مدمنُ الهري الفيسبوكي، فهو متناقضٌ سلوكًا مريضٌ حروفًا، لا يكفُّ عن الهَرْيِ، ولا عن الهَرْيِ حديثًا عن مساوئِ الهَرْيِ، ولا عن اغتياب الهَرْيِ والهرائينَ والهرَّاءاتِ، الفيسبوكيين منهم والفيسبوكيَّات، والنَيْل منهم ولو بالإيماءِ من طرفٍ خفيٍّ فيما يكتبه في الفضاء الأزرق.

فيالَهُ من تناقضٍ، ويا لَهُ من داءٍ اجتماعيٍّ استشرى داءً وعزَّ دواءً، فسار في مواطني المحروسةِ-مُنذُ فتنةِ الخريف العربي المشئوم-مسرى النارِ في الهشيمِ.

ولا يُفْلِحُ خِطَابٌ مرتَكَزهُ الأساس هو ثقافة الهَرْي والهَرْي المضاد، والكيْدُ والكيْدُ المضاد، والغَيْظُ والغَيْظُ المضاد، حتى أصبحَ الناسُ -وفق ذلك الخطاب المشئوم، خطاب الكيْدِ-يعبرون عن أفراحهم هريًا وكيدًا فيمن خاصمتهم الفرحةُ أو تأجلت في سيرها نحوهم قليلاً، أو احتجبت عنهم لأجلٍ لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

كما أصبحوا يعبرون عن نعم الله عليهم من الولدِ والوجاهةِ والثراء ونحو ذلك من النعم كيدًا فيمن كان نصيبهم من الحياةِ ابتلاءً بالحرمان من بعض نعمِ الكائدين هذهِ.

لقد حارت "الأنثروبولوجيا" ولها أن تَحارَ وهي تُنَظِّرُ لشعبٍ يعشقُ الإسرافَ في كلِّ شيءٍ: في الكيْدِ والهَرْيِ عندما يخْتَلَف، وفي الفرحةِ عندما يفرحُ، فيدفعه عشقه الإسرافَ هذا إلى استعراض الفرحةِ أمامَ من لم تصبه فرحةٌ من ذلك النوعِ الذي أصابه هو، أو أنَّ فرحته قد تأخرتِ هناك في رحِمِ الانتظارِ لحكمةِ الخالقِ سبحانه وتعالى.