السجن ليس آخر الحلول


بقلم :شيرين سيف الدين 

العادات والتقاليد والموروثات كثيرا ما تكون محمودة حيث أنها تميز الشعوب ، وأحيانا تميز حتى سكان مدن نفس الدولة وأحيائها عن بعضها البعض ، وتجعل لكل مكان ومجتمع مذاقه الخاص ، فللقرى عادات تختلف عن عادات أهل المدن ، وللأحياء الشعبية موروثاتها التي تختلف عن المناطق الراقية .

ومع أهمية الحفاظ على العادات والثقافات ، إلا أن بعض الموروثات والعادات في كثير من الأحيان يكون ضررها أكبر من فائدتها  خاصة عندما تتعلق بالماديات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الكثير هذه الأيام.

ومن العادات الخطيرة التي نواجهها في المجتمع المصري المبالغة في (جهاز العروس ) حيث يعد هذا الأمر خاصة في المناطق الشعبية أهم ما في الحياة بالنسبة لأسرتها ، ونجد أن عادة أهل تلك المناطق رغم ضعف ظروفهم الاقتصادية أن يبالغوا في الكميات فنجد من الضروري أن تبدأ العروس بتلال من المناشف وكميات من الملابس والأغطية وأدوات المطبخ ووو ، والعادة العجيبة تكمن في ضرورة مشاهدة المهنئين للجهاز كاملا حتى ما هو مختبئ داخل خزانة الملابس ! وهو ما يجعل الأسر تبالغ في الشراء كي تُشَرف بناتها أمام الناس وأمام أهل العريس .

إن مثل هذه العادات لا تكلف الأهل الأموال فقط بل في كثير من الأحيان تكلفهم حريتهم ، فالسجون تكتظ بالغارمات اللواتي دفعن حريتهن ثمنا لجهاز البنات الذي جعلهن يَسْتَدِن دون القدرة على الوفاء بالدين وبالتالي يصل بهن الحال للسجن.

فهل يا ترى يستحق الأمر هذه النتيجة ؟
 
من الضروري أن تولي الدولة مثل تلك القضايا المجتمعية أهمية خاصة ، وأجد أنه على الدولة أن تعالج مثل تلك المشكلة بالسير في اتجاهين متوازيين ، أولهما هو التأهيل الفكري لأصحاب هذه العادة من أجل تعديل سلوكهم وذلك بحملات التوعية في وسائل الإعلام المختلفة ، وأيضا بعمل ندوات من خلال مراكز الإعلام الداخلي التابعة لهيئة الاستعلامات ، والاستعانة بالآراء الفقهية التي تركز على ضرورة تيسير الزواج وعدم الإسراف ، وتنوير تلك المجتمعات بشتى الطرق والتأكيد على خطورة تلك العادة .

أما الاتجاه الآخر هو أن تكون هناك مشروعات للغارمات بدلا من سجنهن ، على أن تقوم الغارمات بالعمل كي تسدد الدين في مدة زمنية محددة بدون سجن ، فالأفضل أن تقضي يومها تعمل وتنتج وتعود في نهاية اليوم الى منزلها وسط أسرتها .

أعتقد أن إنشاء مشروعات للغارمات كالمشاغل والمصانع وتوفير فرص عمل هو حل متعدد الفوائد لجميع الأطراف ، فالمستفيد الأول هي الدولة التي ستزيد من إنتاجها وستستفيد من الأيدي العاملة وتساعد في تدريبها ، وأيضا الغارمة وأسرتها التي ستعفى من مرارة السجن وألم الفراق ، وستكتسب خبرة من عملها ربما تساعدها في إيجاد فرصة عمل دائمة فيما بعد ، وأيضا ستعود الفائدة على الدائن الذي سيسترد أمواله وهو أمر أهم وأفيد له من سجن تلك الغارمة .

دائما مع وجود المشكلات هناك حلول، بل أحيانا تولد المشكلات أفكارا مثمرة تعود بالخير على الجميع ، ولكن المهم أن تتحول أفكار الحلول إلى واقع يرتقي بالمجتمع .