«اللي تغلب به..إلعب به»


بقلم : شيرين سيف الدين 

إقتصاد الدول ومصالحها لا يعترف بالعواطف ويظل ما في القلب في القلب..فالاقتصاد مرتبط إرتباطا وثيقا بالسياسة ، وهو ما جعل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تربط التخصصين وتجعلهما مكملين لبعضهما البعض .

واقتصاد الدول هو من يصنع سياساتها ويعطيها القوة والنفوذ، فالدول الفقيرة التي لا تملك قوتها تصبح لقمة سائغة في فم العالم ، ويتم التحكم واللعب بها حسب مصالح الدول الغنية،  ودائما ما نجدها تقف في وضع المفعول به لا الفاعل ، أما الدول الغنية هي فقط من تستطيع التحكم في سياساتها وتقوم بدور الفاعل على مستوى العالم الخارجي وليس داخليا فقط، وها هي محاور الشر التي تتحكم في مقدرات نفسها وتتدخل في شئون الآخرين لخدمة مصالحها، تستمد قوتها السياسية وسطوتها من إقتصادها القوي، والمثال الحي الأكبر هو دولة مثل قطر فبرغم صغر مساحتها، وتعدادها السكاني الضئيل ، وحداثة وجودها وافتقارها للحضارة أو التاريخ، إلا أن اقتصادها مكنها من لعب دور عالمي قوي.

ومن هنا يجب علينا الاعتراف بأننا إن أردنا أن نملك مقدراتنا وأن نتحكم في سياستنا الخارجية ، فعلينا تنحية العواطف جانبا في المسائل الاقتصادية .

لذا من وجهة نظري فعندما نجد إن استيراد الغاز من دولة "عدو" عن طريق شركة خاصة سيحقق للدولة مصلحة ومكسبا اقتصاديا قويا قد يتعارض مع الموقف السياسي والعواطف الشعبية ،فلا يمكن التخلي عن هذا المكسب اليوم الذي قد يمكننا غدا من كسب اللعبة السياسية  ، وهكذا تدار أمور الدول العظمى .
 
إن أكبر مثال على هذا هو تركيا التي تعادي إسرائيل كلاميا وخطابيا ، حتى تظهر المصلحة الاقتصادية فتقتنصها فورا بدون تأخير ولا تخوف .

ومن المهم أيضا استيعاب أن الاتفاقية ليست بين الحكومتين بل بين شركتين خاصتين ، والشركة المصرية تعمل داخل دولة ذات اقتصاد حر ، بها قانون لتنظيم الغاز وله لائحة تنفيذية ، ولا يجوز العمل مع كل شركة أو اتفاقية بقرارات
ووجهات نظر تبعا للأهواء بل فقط من خلال القانون .

والدارس للعلوم السياسية يعلم جيدا أن العلاقات الاقتصادية بين دولتين لا تمنع أبدا من الاستمرار في المخططات السياسية والمخابراتية بين الدولتين بحسب مصلحة كل دولة .

إن إدارة الدول تحتاج للتعقل، وموازنة الخسارة بالمكسب، وعدم الالتفات للشعارات الشعبية التي قد تضيع فرص ثمينة تعلي من شأن الدولة وتمكنها في المستقبل من لعب دور دولي قوي، فحتى الرسول عليه الصلاة والسلام عقد معاهدة مع اليهود ، "الأعداء" عندما وجد فيها المصلحة دون أن يتخلى عن الهدف والعاطفة، فأحيانا الاتفاقيات تخدم الأهداف بشكل أكبر من القطيعة الكاملة .

وكما يقول المثل الشعبي "اللي تغلب به .. إلعب به" ، هكذا تقول السياسة أيضا.

أعتقد أن هناك مكسبا اقتصاديا من وراء صفقة الغاز الأخيرة بين شركة خاصة مصرية وشركة خاصة في دولة الاحتلال.

 "العداوة" تخدم مصر مستقبلا وتمكنها من اتخاذ قرارات سياسية أقوى في المراحل القادمة خاصة في ظل الظروف العالمية الحالية .