تحدى تصنيع مصر بعد انقاذ الدولة


طه عبد العليم

كان تحدى انقاذ الدولة- بل والوطن والأمة والهوية- مهمة مصر تحت قيادة السيسى فى فترة رئاسته الأولى، وقد تمكنت الأمة المصرية- شعبا وجيشا- من تحقيق هذه المهمة منذ ثورة 30 يونيو وبانتصاراتها بقيادته فى حربها المريرة والممتدة ضد الإرهاب وآخر معاركها المجيدة عملية سيناء العسكرية الشاملة 2018. ويبقى تحدى تصنيع مصر مهمة الأمة المصرية فى فترة الرئاسة الثانية للسيسى، لأن التصنيع- أى اللحاق بنادى الدول الصناعية- يمثل جوهر ورافعة التنمية الاقتصادية والتقدم الشامل. وقد كتبت وأكرر أن تسريع تصنيع مصر وتقدمها التكنولوجى ركيزة الأمن الاقتصادى، القومى والإنسانى؛ لأن كرامة المصريين لن تصان ولن تتحسن نوعية حياتهم، ولأن مصر لن تَسترد مكانتها الرائدة وتُحتَرم إرادتها الحرة بغير تعظيم قوتها الإنتاجية ومن ثم الشاملة. 

وأسجل، أولا، أن تحدى تصنيع مصر فى بداية الفترة الأولى لرئاسة السيسى يظهر بقراءة تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) صادر فى عام 2016، وهو تقرير أداء التنافسية الصناعية فى عام 2014، الذى يتضمن أهم مؤشرات التصنيع فى 144 دولة بينها مصر. ونقرأ من التقرير أن مؤشرات الصناعة التحويلية فى مصر عام 2014 تبين أن القيمة المضافة للصناعة التحويلية لم تتعد 37.9 مليار دولار، ولم تتجاوز مساهمتها نحو 16.3 % من الناتج المحلى الإجمالى، ولم يتعد متوسط نصيب الفرد من القيمة المضافة للصناعة التحويلية 454 دولارا. ولم تزد صادرات الصناعة التحويلية على 18.4 مليار دولار ولم يتعد متوسط نصيب الفرد من هذه الصادرات 221 دولارا. ومن حيث مساهمة فروع الصناعة التحويلية فى اجمالى القيمة المضافة للصناعة التحويلية بلغت مساهمة الصناعات المرتكزة الى تجهيز وتحويل الموارد الطبيعية 36.8%، والصناعات منخفضة التكنولوجيا 28.8 %، والصناعات متوسطة التكنولوجيا 32.2 %، ولم يتجاوز نصيب الصناعات راقية التكنولوجيا 2.2 %. وعند هذا المستوى من التصنيع لم يتعد الناتج المحلى الاجمالى 232.9 مليار دولار، ولم يزد متوسط نصيب الفرد منه 2793 دولارا فى عام 2014.

وثانيا، من حيث مؤشرات تنافسية الصناعة التحويلية، وبالمقارنة مع 144 دولة وعام 2013، فان مصر قد شغلت المرتبة 70 وتقدمت مركزا واحدا وفق المؤشر المركب للتنافسية الصناعية، والمرتبة 90 وتراجعت 7 مراكز، وفق مؤشر نصيب الفرد من القيمة المضافة للصناعة التحويلية، والمرتبة 76 وتراجعت مركزين، وفق مؤشر نصيب الصناعات متوسطة وراقية التكنولوجية من إجمالى القيمة المضافة للصناعة التحويلية، والمرتبة 57 وتراجعت مركزا واحدا، وفق مؤشر كثافة التصنيع، والمرتبة 39 وتراجعت مركزين، وفق مؤشر نصيبها فى إجمالى القيمة المضافة للصناعة التحويلية فى العالم، والمرتبة 110 متقدمة مركزا واحدا، وفق مؤشر نصيب الفرد من صادرات الصناعة التحويلية، والمرتبة 79 متقدمة مركزا واحدا، وفق مؤشر مساهمة صادرات الصناعة التحويلية فى اجمالى الصادرات ، والمرتبة 72 متراجعة ثلاثة مراكز، وفق مؤشر نصيب الصناعات متوسطة وراقية التكنولوجية من إجمالى صادرات الصناعة التحويلية، والمرتبة 65 متقدمة مركزا واحدا وفق مؤشر نوعية الصادرات الصناعية، والمرتبة 58 متراجعة مركزين وفق مؤشر المساهمة فى اجمالى الصادرات العالمية من منتجات الصناعة التحويلية.

وثالثا، أن حجم تحدى تصنيع مصر يتأكد بقراءة المؤشرات المقارنة الواردة فى التقرير المذكور أعلاه. وقد اخترت للمقارنة دولا اختار معظمها تقريرا صدر عن وزارة التجارة والصناعة فى عام 2004، على أساس أنها فى السنوات الأربع المنتهية عام 2002، كانت ذات مستوى دخل متوسط مقارب لمصر، أو مثلت منافسا إقليميا أو عالميا للاقتصاد المصرى. وقد اخترت للمقارنة 13 دولة وهى: البرازيل والمكسيك والأرجنتين من أمريكا اللاتينية، وأندونيسيا وماليزيا من آسيا، ومن دول الجوار الاقليمى اسرائيل وتركيا وأضفت ايران، ومن الدول العربية المغرب والأردن وأضفت السعودية، وقد شمل تقرير وزارة الصناعة المذكور ست دول منها. كما أضفت من افريقيا دولة جنوب افريقيا، وأضفت من آسيا كوريا الجنوبية التى تحولت الى دولة صناعية متقدمة بعد أن تخطت مصر التى كانت متقدمة عليها ثم مقاربة لها حتى وأد تصنيع مصر مع تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى.

ورابعا، أنه وفق مؤشر حجم القيمة المضافة للصناعة التحويلية ومقارنة بالدول المذكورة جاءت مصر فى المرتبة الأخيرة، ولم تتأخر عنها سوى الأردن، بينما جاءت كوريا فى المركز الرابع عالميا. ووفق مؤشر نصيب الفرد من القيمة المضافة للصناعة التحويلية جاءت مصر فى المركز 12، ولم تتأخر عنها وإن قليلا سوى المغرب، وزاد هذا المؤشر بنحو 16 مرة فى كوريا الجنوبية مقارنة بمصر. ووفق مؤشر مساهمة الصناعات راقية التكنولوجيا فى القيمة المضافة للصناعة التحويلية جاءت مصر فى المركز 11 ولم تتأخر عنها سوى ايران والسعودية، وزاد فى كوريا الجنوبية بنحو 12 مثل نظيره فى مصر. ووفق مؤشر نصيب الفرد من صادرات الصناعة التحويلية جاءت مصر فى المرتبة الأخيرة، وزاد هذا المؤشر بنحو 51 مرة فى كوريا الجنوبية مقارنة بمصر. ووفق مؤشر حجم الناتج المحلى الاجمالى شغلت مصر المرتبة العاشرة سابقة المغرب والأردن فقط، وزاد هذا المؤشر بأكثر من 5 مرات فى كوريا الجنوبية مقارنة بمصر. ووفق مؤشر متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الاجمالى جاءت مصر فى المرتبة الأخيرة!!

وأخيرا، فان ثقتى فى قدرة مصر على الارتقاء بتصنيع مصر، أو بالدقة إعادة تصنيعها، أستمدها من إنجازات تصنيعها المرموقة بقيادة محمد على وطلعت حرب وعبد الناصر، رغم الانكسارات. وبقدرات الأمة المصرية تمكنت تحت قيادة السيسى، وبيد تحارب الإرهاب ويد تبنى المستقبل، من تنفيذ مشروعات غير مسبوقة فى حجمها وتكلفتها فى البنية الأساسية اللازمة للتصنيع. ولنراجع مؤشرات الإنجاز فى انتاج الطاقة الكهربائية، وكشوف الغاز الطبيعى، والشروع فى بناء محطة الضبعة النووية، وتنفيذ مشروعات قناة السويس والتوسع العمرانى بالاستثمار الهائل فى الطرق والكبارى والأنفاق والإسكان وربط سيناء بالوادى، بجانب قدرة مصر على مضاعفة الاستثمار فى الصناعة والتعليم والبحث العلمى.

نقلا عن "الاهرام"