محمود محمدي يكتب: القدس وريم.. وأحمد خالد توفيق


هل نعيش حاليًا أسبوع الآلام؟ لا أقصد ذكرى صلب السيد المسيح وقيامته من الأموات في العقيدة المسيحية، حيث توقد الشموع وتفتح الكنائس أبوابها للصلاة، وتتسربل بالستائر السوداء، ولكن أقصد العرب كلهم مسلمين ومسيحيين.

بالأمس أعلن الفلسطينيين الحداد على الأشخاص الذين قتلوا بالرصاص الإسرائيلي أثناء «مسيرة العودة الكبرى» في غزة، ليس لشيء ولكن لمطالبتهم بحق العودة إلى بلدانهم وبيوتهم الأصلية التي تقع الآن ضمن حدود إسرائيل، بعد أن نزحوا عنها مجبرين عام 1948 !!.

قبل تلك الواقعة بأيام، وتحديدًا 24 مارس الماضي، رحلت عن عالمنا إحدى جميلات الكون «#ريم_بنا»، وهبها الله صوتًا عذب رقيق، وبأسلوبها الخاص استطاعت دمج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى العصرية.

«ريم»، أعلنت عام 2016 التوقف عن الغناء بسبب المرض الخبيث «سرطان الثدي»، وكتبت يومها: «إن صوتي الذي كنتم تعرفونه توقف الآن عن الغناء، الآن أحبتي، وربما سيكون ذلك إلى الأبد».

وقبل وفاتها بأيام، قالت في لحظات تجلي: «كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي.. وقلت لا تخافوا.. هذا الجسد كقميص رثّ.. لا يدوم.. حين أخلعه سأهرب خلسة من بين الورد المسجّي في الصندوق، وأترك الجنازة وخراريف العزاء».

الآن.. أين ذهبت الكلمات؟ لا أجد ما يصف شعوري الآن، لا أعلم لماذا حدث ذلك، ولا أعلم كيف حدث، ولماذا اليوم بالتحديد؟ أين أنت الآن يا #أحمد_خالد_توفيق؟ في أي درجة من درجات النعيم بالجنة؟

هذا المؤلف والروائي والطبيب، يعتبر أول كاتب عربي في مجال أدب الرعب، والأشهر في مجال الفانتازيا والخيال العلمي، ولأنه كان مؤمنًا شديد الإيمان، كان يخاف الموت جدًا، إذ قال: «أنا أخشى الموت كثيرًا، ولست من هؤلاء المدّعين الذين يرددون في فخر طفولي نحن لا نهاب الموت، كيف لا أهاب الموت وأنا غير مستعد لمواجهة خالقي؟».

«العراب»، تنبأ بموعد وفاته ودفنه بالضبط، في روايته «قهوة باليورانيوم»، وإذا طالعت تلك الرواية العظيمة، ستجده كتب في الصفحة رقم 62: «اليوم، كان من الوارد جدًا أن يكون موعد دفني هو الأحد "3 أبريل" بعد صلاة الظهر.. إذن كان هذا هو الموت، بدا لى بسيطًا ومختصرًا وسريعًا، بهذه البساطة أنت هنا، أنت لم تعد هنا، والأغرب أنني لم أر أي شيء من تجربة الدنو من الموت التي كتبت عنها مرارًا، تذكرت مقولة ساخرة قديمة هي أن عزائك الوحيد إذا مت بعد الخامسة والأربعين هو أنك لم تمت شابًا!».

«توفيق»، قال ذات يوم، إن لكل وطن رائحة ليل خاصة به، ولكنه لا يعلم أن اليوم لا رائحة في هذا الوطن إلا رائحة الموت، رحم الله ريم بنا، وأحمد خالد توفيق، وكان في عون أخواننا في فلسطين.