محمود محمدي يكتب:«عضة كلب»


إنه صوت المنبه المزعج يشير إلى السابعة صباحًا، هذا الصوت اللعين الذي لا يمكن تجاهله، ليس لأن الصوت صاخب فقط، ولكن لأن هناك من ينتظر مرور 15 دقيقة على الموعد المقرر لوصولي العمل؛ ليكتب في تقريره الجملة التي تجعل يومه سعيدًا، وتفسد يومي كله: «خصم نصف يوم».
 
قفزت من السرير إلى الدولاب، وعادة لا أرتدي ما تراه عيني مناسبًا، ولكن أرتدي ما تراه عيني أولًا، إذ اعتدت ألا أرهق نفسي في البحث عن القميص الذي يليق مع البنطال الأزرق، أو الجاكت المناسب للحذاء الأسود، طالما الملابس نظيفة، فأي قطعتين تصبحان لائقتين.
 
زحام المواصلات القاتل الذي اعتدت عليه في القاهرة، جعلني أحسن استغلال الوقت، فبدلًا من الجلوس صامتًا في انتظار محطة الوصول، أمسك هاتفي واتنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي بداية من «فيس بوك»، مرورًا بشقيقه «تويتر»، وصولًا إلى «إنستجرام»، انتهاءً بمواقع الأخبار لمعرفة ما حدث خلال الـ 6 ساعات الماضية، لا أحتاج لمعرفة أكثر من ذلك، حيث أتابع الأخبار لحظة بلحظة طوال اليوم.
 
انقضت ساعات العمل دون أي مشكلات، وفي الحادية عشرة مساءً، تلقيت اتصالًا من أحد الأصدقاء يحاول إقناعي بالسهر على المقهى مثل الأيام الخوالي، وكما تعلمون «الزن على الودان أمر من السحر»، وافقت على السهر ولكن ليس لساعات كثيرة، حيث قررت أن أذهب إلى العمل في موعدي كل يوم دون أي تأخير، والسهر قد يُفسد تلك الخطة.
 
في الحقيقة كنت أحتاج بشدة للسهر على المقهى، ليس لمقابلة أصدقائي لأحكي لهم وأسمع منهم؛ ولكن كنت أفتقد للجلوس في أي مكان غير العمل، كنت أشتاق لفعل أي شيء لا يحتاج لمجهود ذهني، كلعب الدومينو والطاولة، أو مشاهدة مباريات الشطرنج بين عواجيز المقهى -لا تفكر أبدًا أن تلاعب هؤلاء المهووسين بتلك اللعبة؛ ستتلقى أسرع هزيمة في حياتك.
 
الآن الساعة قاربت على الثالثة صباحًا، غادر الأصدقاء إلى منازلهم وأنا كذلك، وضعت سماعات الأذن وأمسكت الهاتف محتارًا لأي أغنية أستمع، قطع تفكيري صوت موتوسيكل قادم بسرعة متهورة، يقوده شاب عشريني وخلفه اثنان آخران، لوهلة ظننت أن هناك مخططًا لسرقة هاتفي مثل تلك الحوادث التي انتشرت مؤخرًا، فأمسكت الهاتف جيدًا وتنحيت عن الطريق.
 
مر الشباب الثلاثة من جانبي، وبصوت جهور قال أحدهم: «أجري يا دبشة.. خبي الحشيش يا هاني.. في حكومة بأول الشارع»، الآن اتضح سبب تلك السرعة، فهناك من هو قادم ليرحم الشارع من صخب وزحام ومضايقات هؤلاء «الحشاشين».
 
في الحقيقة لم أهتم لهرولة هؤلاء الشباب، أو لوجود أفراد من الشرطة في الشوارع المحيطة للاطمئنان على الوضع الأمني في المدينة، وكان كل همي أنني أصبحت الآن وحيدًا في الشارع، يا إلهي ماذا سأفعل، كيف سأصل للمنزل وهناك من ينتظرني على ناصية الشارع حيث الجراج الكبير الذي يحرسه ما لا يقل عن 20 كلبًا.
 
في النهار أو الليل أحاول التماسك وأنا أمر من تلك المنطقة الواعرة، داعيًا الله في كل مرة أن تمر على خير وألا يوصلني هؤلاء الكلاب إلى مرحلة الركض في الشارع، سأفقد هيبتي تمامًا.
 
الآن اقتربت من منطقة الخطر.. ابتسم وأنا أريد البكاء، أردد كلمات الأغنية التي أسمعها ولكن بداخلي شخص صامت يفكر في مصيره خلال تلك الدقائق، هل اقتربت النهاية؟ هل سأنتقل إلى عالم الأموات اليوم؟ وكيف بدأ الخلق؟ ولماذا بدأ الخلق؟ عقلي سينفجر من التفكير، أحاول أن أشغل نفسي عن التفكير في الموت بتلك الطريقة، هل سأموت ممزقًا بين فك كلب؟ أريد أن أموت بطريقة أخرى، لا أعلمها ولكن ليس تلك الطريقة.
 
من العدم ظهر أمامي رجل بجلباب قصير ولحية كثيفة، حسنًا هل هذا الرجل هو الداعشي الذي سيفجر الكنيسة التي تنير ناصية الشارع الأخرى؟ لن أسمح له سأذهب وأحتضنه وأنفجر معه؛ وأنقذ أخواتي المسيحيين، هذه ليست الموتة التي أريدها، ولكنها جيدة، وعلى الأقل أفضل من «الموت بسبب عضة كلب»!!
 
ذهبت نحو هذا الرجل بالفعل واحتضنته، ووجدته يبادلني الحضن، ويسلم عليَّ بحرارة صديق ينتظر رفيق دربه في المطار منذ خمس ساعات، وقال لي: «لو سمحت ممكن تعديني من الكلاب اللي أنت لسه معدي من أمامها دي عشان بخاف؟!»