ترشيد المياه


فهمى السيد
 
أزمة المياه التي نعيشها ونتحدث عنها لأهميتها لحياة البشر والشعوب تتزامن معها قضية لا تقل أهمية عنها، وهي قضية ترشيد استهلاك المياه، وتعد من المواضيع الحيوية التي لا ينبغي تجاهلها للحفاظ على الموارد الطبيعية للمياه، وإعادة النظر في عاداتنا اليومية لاستخدام المياه، ووقف النزيف والهدر اليومي المتعمد لها جهلا بخطورة وأهمية استنزاف المياه فيما لا يفيد. 
الترشيد هو الاستخدام الأمثل للمياه، بحيث يؤدي إلى الاستفادة منها بأقل كمية، وعندما نتحدث عن ترشيد الاستهلاك، فإننا نهدف إلى توعية المستهلك بأهمية المياه باعتبارها أساس الحياة، وتنمية الموارد المائية أصبح مطلبا حيويا لضمان التنمية المستدامة في جميع المجالات، وذلك عن طريق العمل على تغيير الأنماط والعادات الاستهلاكية اليومية، بحيث يتسم السلوك الاستهلاكي للفرد أو للأسرة بالتعقل والاتزان والرشاد في استخدام المياه، وعدم الإسراف في نعمة من نعم الله عز وجل امتثالا لأمره تعالي «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ».
مظاهر الهدر اليومية للمياه تحدث أمام مرأى ومسمع من الجميع حكومة وشعبا، فمن غسل العربات إلى رش الشوارع ليلا ونهار صيفا وشتاء، إضافة إلى الجريمة الكبرى التي تتعرض لها مياه النيل باستمرار، لذا لابد من التوجيه نحو الاستخدام الأمثل للمياه الصالحة للشرب والمحافظة عليها والترشيد بشكل عام في استهلاك المياه، وخاصة في القطاعات الحكومية والصناعية والسكنية والتجارية مع التوعية العامة لجميع أفراد المجتمع .
المياه تمثل مكوناً أساسيا لمقومات التنمية المستدامة في إطار الأمن المائي والغذائي في الشرق الاوسط، وتحسين مستوى الحياة للشعوب، لذا التعاون فيما بين الدول المتجاورة يشكل قاعدة جوهرية لإيجاد الحلول المناسبة للهدر المتعمد وغير المتعمد للمياه، خاصة أن ترشيد استخدام المياه مسألة في متناول اليد ولا تتطلب إمكانات اقتصادية كبيرة ويمكن توفيرها من خلال صناديق التمويل العربية لإرساء صناعة مائية في المنطقة العربية ولاسيما في مجال تحلية المياه وتجريم تلوثها.
مشكلة الهدر المائي وتلوث المياه وسوء الاستخدام والبعد عن الترشيد مشكلة عالمية تعني شعوب الأرض قاطبة، فحتى الدول الغنية بمصادرها المائية تدهورت نوعية المياه التي يحصل عليها الناس، رغم تطبيقها نظام التقنين وسن القوانين الرادعة لمن يتعدى على حرمة المياه سواء بتلويثها أو سوء استخدامها ولابد أن نحذو حذوها حفاظا علي هذه الثروة الربانية.
لكل ما تقدم من استعراضنا لقضية المياه كقضية أمن قومي ينبغي علينا وضع خطط واضحة لاستثمار الموارد المائية، وحمايتها من الهدر والاستنزاف والتلوث ومراقبة مستمرة للواردات السطحية والجوفية، واتباع طريقة حصاد المياه في السنوات الممطرة بشكل جيد، والتوسع في إقامة السدود على الأنهار والمجاري المائية وبناء شبكات الري الملائمة لأساليب الري الحديثة، ومعالجة المياه المالحة وتنقيتها بشكل صحيح وإعادة استخدامها وتجميع ما أمكن من مياه الأمطار بإقامة خزانات أرضية.
الحلول كثيرة وعملية لإنهاء أزمات المياه ليس على مستوى مصر فقط، بل على مستوى دول العالم، لو أردنا ذلك بعيدا عن الصراعات الدائرة، وأهل الاختصاص لديهم الكثير من الحلول السهلة لا يتسع المقام لذكرها تفصيلا، لكن لابد من السعي لإيجاد حلول لقضايا المياه المشتركة مع دول الجوار عن طريق التوصل إلى اتفاقات دولية لاقتسام هذه الموارد بشكل رسمي، ووضع استراتيجيات واقعية لاستثمار المخزون المائي الجوفي في إطار مشاريع مشتركة.

نقلا عن الاهرام