فى زحام من النعم


إسلام حامد

تقرير مصور بالفيديو نشرته صحيفة «الوطن» عن «رجل» صغير السن عمره 14 عاما ، ينتقل حاملاً شقيقه الأصغر صاحب الـ8 أعوام ، المصاب بتليّف فى الكلْية اليسرى، وحقيبة بداخلها بعض الأشعة والأدوية على كتفيه ذهاباً إياباً، من مركز ببا، ببنى سويف، إلى وحدة الغسيل الكلوى للأطفال بمستشفى الدمرداش فى القاهرة، على مدار 3 أيام فى الأسبوع.

يبدأ «الرجل» أحمد سعد أحمد، بحسب التقرير يومه الشاق مع أخيه فى الثانية صباحاً، الذى لم يتجاوز عمره 14 عاماً، بمفرده دون إشراف من أحد، ليستقل القطار، الذى يصل محطة رمسيس فى نفس ميعاد جلسة شقيقه «محمد»، عند الساعة 9 والنصف صباحاً، وقال التقرير ان «أحمد» قرر منذ عامين تحويل دراسته بالمرحلة الإعدادية لنظام «منزلى» ليستطيع الذهاب بأخيه لجلسات الغسيل الكلوى، بديلا عن ابيه لانشغاله بعمله فى نقل الخضار بين الأسواق داخل القاهرة، ورعاية الأم لأبناء آخرين.

«نحن فى زحام من النعم» ..

قالها زميلى فى العمل، معقبا:«اذهب بالقطار الى قريتى مرة كل اسبوع، وأكون فى غاية الضيق والضجر حاملا هم المشوار، متعبا، مثقلا ببدنى وحدى، وهذا الرجل الصغير يحمل أخيه على كتفه ثلاث مرات، ولا يشكو ولا يتألم وكل أمنياته حجرة فى القاهرة يستقر بها لمواصلة علاج أخيه».  

فكرت أنا وزميلى فى «زحام النعم» بفضل الله ومنته، ونحن نجلس أسفل المكيف أمام الانترنت ، فى يوم قيظ مشمس، بينما غيرنا، معلقا فى «سقالة» فى الدور الخامس عشر، يتأرجح على رفرف الموت كل دقيقة ، ولكنه يتحمل من أجل لقمة عيشه.

نحن فعلا فى زحام من النعم، مهما قست علينا الدنيا ومهما قست علينا الظروف، ومهما عصفت بنا الأزمات والكروب، فهى أنعم الله علينا التى لا تعد ولا تحصى .

ربما كان لديك نصيب من مرض أو فقر أو ديون، ولكن هناك من هو أشد مرضا وفقرا ودينا اكثر منك .

وربما كان لديك ابن يناوشك ويضايقك وتدعو الله له بالهداية والطاعة، وتنسي أن هناك من عق والديه تماما والقى بهم فى احد دور الرعاية متاففا منهما، او ان هناك من فكر فى رفع السلاح عليهما.

تمشي على قدميك متعللا ببعض الالام فى العضلات، وتنسي أن هناك من هو بلا أرجل من الاساس ويمارس حياته على كرسي متحرك.

تملّ من والديك وتتأفف من توجيههما اليك، ورغبتهما فى تحسين مظهرك وطعامك وسلوكك، وتنسي ان هناك من فقدهما، ويتمنى أن يعودا للحياة ويكونا سجانين، ليعيش تحت وطأة أقدامهما خادما مطيعا.

ننقم من الدنيا وأفعالها بنا، ننقم من العمل، ومن قلة المال، ومن هزلان الصحة، وحقيقة نحن نمرح فى فضل الله وحده، فى كرمه، فى رحمته بعباده وسط الظروف الحالكة السواد، فلنا نصيب من ستر الله علينا فى المعيشة، ولنا نصيب من تخفيف الابتلاء بكل أشكاله بدرجات أقل من الآخرين، ولنا نصيب فى ضيق ذات اليد ولكن أيضا بدرجة أقل من الآخرين. 

اللهم لك الحمد والشكر، نمرح فى زحام من نعمك يا كريم .