ليالي أوجيني ونوستالجيا الزمن الراقي


بقلم: شيرين سيف الدين

صناعة السنيما والدراما صناعة هامة جدا على مستوى العالم ، وتعد مورد دخل كبير للدول المتفوقة في هذا المجال ، فلما لا نجعلها صناعة مثمرة على الناحيتين الاقتصادية والأدبية معا ؟ 

هل التحول من العشوائية للنظام، ومن التدني للرقي ، والعودة لما كنا عليه في زمن الأبيض والأسود ، وقبل أن تصبغ حياتنا الألوان الصاخبة والمتضاربة ، مجرد حلم يصعب تحقيقه أم أنه هدف يمكن الوصول إليه ؟ 

لم يسعفني الوقت في سباق الدراما الرمضانية لمتابعة أي من الأعمال المقدمة على الشاشة  ، واكتفيت بمراقبة الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي ، وما لفت نظري بشدة هو الإجماع على الانبهار برقي مسلسل ( ليالي أوجيني ) بغض النظر عن قصته  وأحداثه ، كما حدث من قبل مع مسلسل (جراند أوتيل ) الذي أدى أيضا للترويج السياحي لمصر ، وكثرت التعليقات عن حلم العودة بالزمن للخلف من أجل الحياة في الزمن الجميل ، وهو ما يشير إلى أن هناك حالة من النوستالجيا أو الحنين للماضي بما فيه من جمال على كافة المستويات ، ويؤكد أن مقولة (الجمهور عايز كدة ) ماهي إلا حجة عارية تماما من الصحة ، فها هو الجمهور يضحدها ويُقْبِل على الأعمال المختلفة والمحترمة  ، ويذوب بروحه فيها وكأنه يعيش داخلها ، وها هو يتأثر بحالة الجمال المسيطرة عليها ، وقد يتحول تلقائيا لجزء من هذا الجمال في زمن ملأه القبح .

وهنا يأتي السؤال : لماذا لا ينتهز القائمون على صناعة السينما والدراما التليفزيونية الفرصة ويستفيدون من هذه الحالة لتقديم أعمال هادفة وراقية ، تساهم في تغيير ثقافة المجتمع للأفضل ؟ فالفن من أهم ما يؤثر في الناس جميعاً ويسرى مثل النار في الهشيم .

إن هذه الحالة من الانجذاب للفن الراقي عند تقديمه ماهي إلا رسالة صريحة تدعو القائمين على صناعة الفن في مصر لإعادة التفكير في نوعية المنتج وجدواه في إحداث تغيير إيجابي على أرض الواقع ، ورسالة للإكثار من مثل هذه النوعيات التي بالتأكيد ستساعد في شفاء المجتمع من مرض العشوائية الذي استشرى في أوصاله ، خاصة بعد أن استطاع المسلسل تحقيق المعادلة الصعبة بحصد نسبة كبيرة من الإعلانات وهو ما يعد مكسبا ماديا ، بجانب المكسب الأدبي المتحقق من تقديم عمل محترم.

 من غير المفهوم أين هي المشكلة ؟ ولماذا لا نبدأ عهدا فنيا جديدا يساعد في عودة مصر القديمة وشعبها الجميل لما كانوا عليه في عقود ماضية ؟ وبدلا من الهبوط بالجمهور للتدني الأخلاقي ، والسلوك المنحدر وتلقينه ألفاظا بذيئة يرددها دون حياء كنوع من المجاراة ومحاكاة البذاءة ببذاءة ، فلنعيد تكوين وجدانه والسمو بعقله وذوقه وجذبه لنوعية من الأعمال تحوله لمحاكاة الرقي برقي ، خاصة ونحن اليوم في أشد الحاجة لإنقاذ وعي المواطن المصري وشخصيته وانتشاله من حالة السقوط في الهاوية الى الصعود للقمة مرة أخرى ، كي نستطيع إعادة بناء الوطن .

فمتى يقتنع القائمون على تلك الصناعة الهامة أن العمل الهادف لا يتعارض مع المكسب المادي ؟